السر في الحلم

TT

سحرتني، على مدى سنوات طويلة، حكاية، أو قصة، او أسطورة ايفا بيرون، المذيعة التي تزوجها خوان بيرون زعيم الارجنتين، وحولها الشعب الى «معبودة». وقد أفرغت ايفيتا خزائن الأرجنتين لكي تمنحها للفقراء. وأفقر خوان بيرون البلاد لكن الناس أحبته حتى الموت. والى الآن لم تبرأ الارجنتين من شيء لا تفسير له، يدعى البيرونية.

حاول الكثيرون من بعده ان يحكموا الارجنتين. مرة بشعاراته ومرة بالحرب عليها. ولم يكن له بديل حتى اليوم. وحاولت كل زوجة رئيس ان تكون ايفيتا اخرى، بمن فيهن ايزابيللا، زوجته الثانية، التي صارت بعد وفاته رئيسة على البلاد، ثم نفيت كأضحوكة من تلك الفصول المأساوية التي أصابت واحدة من اجمل بلدان الارض وأكثرها خصباً وغنى وثروات.

قرأت سيرة ايفيتا بيرون وشاهدتها مسرحية جميلة وفيلماً سخيفاً مثلته مادونا، فكان ان حضرت مادونا وغابت الأسطورة. بعض تلك السير كان محباً لها وبعضها حاول تدمير الصورة التي رسمتها مخيلة الارجنتين. ولكن الذين أحبوها والذين تضايقوا من هالة لا مبرر لها، لم ينجوا من سحر ايفيتا. ولم استطع ان افهم كيف تقع الناس، الى هذا الحد، ولزمن طويل، تحت سحر امرأة شبه عادية قادمة من خلفية اجتماعية بائسة ومشبوهة.

فقبل ان يتعرف الكولونيل بيرون الى ساحرته، كانت قد أقامت صداقات عدة مع ضباط الجيش. وعندما تزوجها دار همس كثير حول الزواج. وكان يومها في ذروة عزه السياسي. لكن الريفية البسيطة ما لبثت ان اصبحت هي عمود الحكم وسرّ الغليان الشعبي حوله. وكاد الارجنتينيون يشعلون ثورة بسبب إخفاء رفاتها. وأرغموا الحكم التالي على تحويل مدفنها الى مزار. وظل شبح بيرون وايفيتا يهدد كل من يسكن «القصر الوردي» في بوينس آيرس.

اعلنت الارجنتين إفلاسها قبل سنوات. وسقطت على ركبتيها كما تسقط أبقارها الجميلة. لكنها عادت الآن الى النهوض. بل الى الازدهار. وهي اليوم في مستقر اقتصادي لم تعرفه من قبل. وقد قلت في نفسي ها ان الوقت حان. لن يعود وسط هذه الحقائق الجميلة مكان للأسطورة. وسوف يعلم الاقتصاد الجديد الناس ان ايفيتا غرفت من خزانة الناس ووزعت عليهم من أموالهم وتسببت في فقر طويل.

لكنني كنت طبعاً على خطأ. الناس، في كل مكان، تحب من يبيعها الأحلام والسعادة الموقتة ولا تطيق الانتظار والبرامج السياسية. وقد كانت ايفيتا حلماً وجزءاً من تراجيديا اغريقية. وبقيت كذلك. والناس تخشى ان تتوقف عن الحلم كي لا تموت.