الحب والدسيسة!

TT

كانت البداية هي (روايات الجيب) التي كان ينشرها ويترجمها الأستاذ عمر بن عبد العزيز أمين. كنت أقرأ كل ما أجد. ولا أعرف الفرق بين القصة القصيرة والطويلة والرواية والمسرحية.. وإنما أقرأ. ولا يضايقني إلا الأسماء الأجنبية. ولكن هذه الروايات هي التي جعلت لدي عادة القراءة وعادة الصبر على الأسماء الأجنبية.

ولم يكن من بين زملائي وأصدقائي في هذه السن الصغيرة من يعرف هذه الروايات أو انشغل بها. وكنت أقرأها سرا خوفا من أن يناقشها أحد. أو يستنكرها. فقد لاحظ أحد إخوتي أنني أقرأها.. فخطفها وتوقف عند الغلاف. وعلى الغلاف فتاة حلوة. واستنكر هذا الكتاب الجنسي. ولم تكن إلا رواية (الجريمة والعقاب) لدستويفسكي.. وأقبلت على القراءة دون أن أتوقف عند الغلاف أو أربط بين الصورة على الغلاف وأحداث الرواية..

ومن يومها كنت أقرأ هذه الكتب الغريبة التي تجيء مكسرة ممزقة في جيوب الخفراء الذين يذهبون إلى المدينة ويفتشون عنها ويجدونها.. وكانت هذه الكتب السرية تلقى مني الخوف.. الخوف إذا جاءت والخوف إذا فرغت منها وأعدتها إلى أصحابها بسرعة، وإلا فلن يبعثوا بكتب غيرها.. فهل فهمت منها شيئا. لا أعرف فلم أراجع نفسي ولا سألني أحد..

وربما كانت أول قصة أو رواية قرأتها وأعدت قراءتها لغرابة الكلام وسرعة الأداء.. ودهشتي للتراكيب الغريبة.. والعبارات التي تصدمني ولا أدري ما المعنى ولا كيف كتبها صاحبها.. هذه الرواية هي (الحب والدسيسة) لشاعر ألمانيا فريديش شيلر. حكاية حب غريبة. ولا أظن أنني عرفت معنى الحب.. وكانت فيها عبارات غريبة لا أزال أذكرها. مثل: إذا باض الشيطان بيضة أفرخت بنتا جميلة ـ عبارة بليغة ولكن ما معناها..

وعبارة جاءت على لسان والد الفتاة الحلوة عندما ذهب إليه شاب يطلب يد ابنته.. فاستنكر الأب أن يفعل أحد ذلك.. فلماذا لا يذهب إليها هي ويطلب يدها. وقال: إن الذي يفعل ذلك يلهمني عدم الثقة به. لماذا لم تذهب إليها وتقنعها بدلا من أن تستعين بي على ابنتي!

وعبارة لم أفهمها وقتا طويلا عندما تحدث الأب والفتى عن الفتاة العذراء والفتاة التي ليست كذلك. فقال: إن الجليد الذي ظهر من المطبعة الآن يساوي الجنيه الذي دار على حل شعره. كلاهما يساوي مائة قرش!

يعني إيه؟ لم أفهم في ذلك الوقت. ولكن ظللت أحفظ هذه العبارات عشرات السنين.