أولميرت ومخطط التصدي للمبادرة العربية بالدعوة لقمة إقليمية

TT

إن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولميرت شعر بالخطر الحقيقي، الذي غدا يتهدد إسرائيل وصورتها لدى الرأي العام العالمي وفي الساحة الدولية في ضوء ما أنجزته قمة الرياض التي أعادت إطلاق مبادرة السلام العربية، فقد بادر إلى الدعوة لعقد قمة إقليمية كهجوم معاكس هدفه القريب والبعيد إحراج العرب وإعادة تلميع الصورة الإسرائيلية التي أصابها التحرك العربي الجديد بالاهتزاز والضبابية.

كان أيهود أولميرت قبل أن يلجأ إلى مناورة الدعوة لعقد قمة إقليمية، يحضرها هو جنباً إلى جنب مع بعض القادة العرب «المعتدلين»، قد دقَّ ناقوس الخطر للإسرائيليين وقال في تصريحات موجهة إلى الداخل الإسرائيلي الذي يعاني من مآزق وإشكالات متعددة حقيقية: «إن المبادرة العربية أضافت نقاط كثيرة إلى العرب على الساحة الدولية وأنه على إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة وأن تحافظ على مكانتها الحالية غير المسبوقة لدى العالم».

إن هذه هي الحقيقة وإن الحقيقة أن ما أصاب إسرائيل بالرعب وجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي يبادر، هرولة، إلى الإعلان أكثر من مرة عن نقاط إيجابية في مبادرة السلام العربية هو أن العرب، ولأول مرة على مدى هذا الصراع الطويل، قد توجهوا إلى العالم والى قطاع واسع من الإسرائيليين بلغة واضحة ومفهومة ومقبولة.

كانت إسرائيل ولأكثر من خمسين عاماً هي التي توجه المسار السياسي في الشرق الأوسط لأن العرب بقوا يخاطبون الشارع الإسرائيلي والرأي العام العالمي وأيضاً الشارع العربي، المغيب تماماً، بلغة غير مفهومة وغير قابلة للأخذ والعطاء ولأنهم لم يجدوا ما يغطون عجزهم به سوى الشعارات والمزايدات التي سمع الذين التقوا في قمة الرياض الأخيرة منها الكثير خلال انعقاد هذه القمة عبر الحناجر والألسن المعروفة التي غدت متخصصة في الردح والشتائم.

ويقيناً لو أن قمة الرياض جاءت كنسخة عن قمة الخرطوم الشهيرة، التي انعقدت في أجواء هزيمة يونيو (حزيران) 1967 التي لا أسوأ منها هزيمة، ولو أنها رفعت شعار: «لا صلح لا مفاوضات لا اعتراف» لاستقبلها إيهود أولميرت واليمين الإسرائيلي المتطرف بالأحضان، ولما كان هناك أي داع لأن يعلن الإسرائيليون حالة الاستنفار القصوى، بعد أن قال رئيس وزرائهم أن مبادرة السلام العربية أضافت نقاطا كثيرة إلى العرب على الساحة الدولية وأنه لا بد من أخذ زمام المبادرة حتى لا تبقى الأمور في أيدي هؤلاء وحدهم. لم تكن قمة الرياض عندما أطلقت مبادرة السلام العربية، من جديد، لديها ولو الحد الأدنى من القناعة بأن هذه الحكومة الإسرائيلية التي رئيسها هو هذا الرئيس المنهك والضعيف والغارق في الموبقات والفساد حتى عنقه وعنق حكومته مؤهلة لأن تخطو هذه الخطوة الهامة جداً، وكان الهدف هو التوجه إلى الرأي العام العالمي والى الشارع الإسرائيلي أيضاً بكلام واضح ومفهوم، يختلف اختلافا جذرياً عن كلام العرب السابق الذي كانت إسرائيل هي المستفيد الوحيد منه، والذي كانت من خلاله قادرة على تسويق حتى جرائمها الفظيعة في الساحة الدولية. كان الهدف هو حشر هذه الحكومة الإسرائيلية في الزاوية، وإظهارها أمام العالم كله وأمام قطاع واسع من شارعها على حقيقتها، وبأنها لا تريد السلام ولا تريد التعايش مع الشعب الفلسطيني، وأن إصرارها على الحلول الأحادية وحلول القوة، هو الذي يجعل الوضع في الشرق الأوسط على كل هذا المستوى من التوتر، وهو الذي يشكل المناخ الملائم للإرهاب المتنامي الذي تعاني منه هذه المنطقة ويعاني منه العالم بأسره.

وهنا فإنه لا بد من الاستدراك والتأكيد على أن العرب عندما أطلقوا مبادرتهم هذه في قمة بيروت عام 2002 وأعادوا إطلاقها في قمة الرياض الأخيرة، فإنهم لم يطلقوها من قبيل المناورة، فالقناعة، بعد كل هذا الصراع المتواصل وبعد كل هذه الحروب المدمرة، وبعد أن حل بالشعب الفلسطيني ما حل به، غدت راسخة باستراتيجية هدف السلام، وبضرورة ألا يبقى العنف يضرب هذه المنطقة وألا يبقى الإسرائيليون يعيشون في أبراج الدبابات، وألا يبقى الفلسطينيون مستنزفون بوجودهم فوق أرضهم المحتلة.

إن ما يجب التأكيد عليه وقوله مثنى وثلاث ورباع هو أن قمة الرياض لم تطلق مبادرة السلام العربية مجدداً من أجل الضحك على الذقون ولا من قبيل المناورة والألاعيب السياسية. لقد أطلقتها بقناعة راسخة بأن عذابات هذا الشرق الأوسط المعذب يجب وضع حدٍّ لها، ويجب أن تنتهي، وأنه على هذه الحكومة الإسرائيلية إمَّا أن تستجيب لدعوة السلام هذه استجابة فعلية وحقيقية، وإلا فإنها بالضرورة يجب أن تدفع الثمن غالياً على الساحة الدولية وذلك لأنها تضع نفسها في مواجهة العالم كله.

لم يدرك المزايدون وتجار الشعارات والمتكسبون على حساب القضية الفلسطينية والمتاجرون بويلات الشعب الفلسطيني وآلامه ومآسيه هذا أو أنهم أدركوه ولكنهم استجابة لألاعيب وهلوسات «عقيدهم» اندفعوا يهاجمون هذه القمة، التي هناك إجماع لدى حتى المراقبين بحياد وموضوعية من خارج هذه المنطقة، بأنها ليست من أفضل القمم العربية فقط، بل هي أفضل القمم العربية على الإطلاق، ويقولون فيها أكثر مما قاله مالك في الخمر.

لأن «عقيدهم»، الذي لم يجد ما يتحف به هذه المنطقة التي تعاني من التطرف والعنف والاستقطابات المذهبية والطائفية سوى الدعوة لإقامة الدولة الفاطمية الثانية، امتنع عن حضور قمة الرياض، والأسباب هنا معروفة، وألصق بها تهمة التحشيد ضد إيران، والاستجابة للتوجهات «الاستعمارية»!! فقد أطلق المزايدون المعروفون واحداً.. واحداً لحناجرهم وألسنتهم العنان عبر تلك الفضائية إياها، وعبر الصحف الصفراء التي تُغمِّسُ في الصحن إياه، الذي تغمِّس فيه هذه الفضائية، وأشبعوا هذه القمة وقراراتها ومبادرة السلام التي أعادت إطلاقها شتائم وسباباً وتحليلات ساذجة وسطحية. حتى ذلك الذي يريد إطلاق حزب ناصري قومي عربي من تحت قبة الكنيست الإسرائيلي قد جرى الاستنجاد به للمشاركة في حفلة «الزَّار» هذه التي بدأها «الأخ قائد الثورة»، التي خالفت كل نواميس التاريخ ولم تتحول إلى دولة بعد رغم مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على ولادتها، التي لا تزال تثير أسئلة كثيرة، ورغم أنها أكلت معظم أبنائها وعلى رأسهم عبد السلام جلّود الذي اختفت آثاره، والذي غدا ينطبق عليه القول «خرج ولم يعُدْ»!!

الآن وبعد أن دعا أولميرت، من قبيل السعي لقطع الطريق على المبادرة العربية وشن هجوم معاكس ضدها، إلى عقد قمة إقليمية تجمعه بالقادة العرب الذين وقفوا وراء إطلاق هذه المبادرة، فإن المزايدين سيجدون مادة لاستئناف ما واجهوا به قمة الرياض وسيتهمون هذه القمة بأن هدفها ليس فقط التحشيد ضد «إيران الثورة»!! وإنما أيضا فتح الأبواب العريضة من أجل التطبيع مع إسرائيل.

لم يدرك هؤلاء أن دعوة أولميرت لعقد قمة إقليمية هي مجرد محاولة للهروب إلى الأمام ردّاً على مبادرة السلام العربية ثم ربما أنهم أدركوا هذا ولكنهم استجابة لرغبات «كبيرهم الذي علمهم السِّحر» استأنفوا نشاطهم الذي واجهوا به قمة الرياض التي كان حضور بعض الذين حضروها بمثابة غياب ذلك الغائب الذي من أجل الإعلان عن وجوده لم يجد ما يلوح به سوى الدعوة لإقامة الدولة الفاطمية الثانية التي كان عبد الله المهدي قد حمل فكرتها من بلدة السلميِّة بالقرب من مدينة «حماة» السورية إلى تونس في شمال إفريقيا، حيث أنشأ مدينة المهدية التي كانت أول عاصمة لهذه الدولة. إنها دعوة مريبة وكأن هذه المنطقة الغارقة في النزاعات المذهبية والطائفية والعرقية، لا ينقصها إلا إشعال نيران فتنة جديدة، وكأنه لا بد من إضافة عامل جديد ليتحول الاستقطاب من سنيٍّ ـ شيعيٍّ فقط إلى سنيٍّ وشيعي وفاطمي!!