الاحتباس الحراري : بين الحلم والكابوس

TT

لا يمكن بعد الآن اعتبار قضية التغييرات المناخية مجرد قضية يمكن للأجيال القادمة مواجهتها. فهناك إجماع عالمي متزايد بين صانعي القرار السياسي، وقيادات القطاع الخاص والرأي العام، بضرورة التصرف قبل تزايد التحديات.

ففي مؤتمر قمة عقد قريبا حول التغييرات المناخية في بروكسل، أعلن قادة دول الاتحاد الأوروبي أنهم سيخفضون نسبة انبعاث ثاني اوكسيد الكربون بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2020. وفي الولايات المتحدة دعا تحالف لافت للانتباه من الشركات الكبرى والمنظمات غير الحكومية، يطلق على نفسه اسم شراكة العمل المناخي في الولايات المتحدة، إلى سياسة وطنية لمواجهة تغييرات المناخ.

ومثل هذا التصميم أمر واعد، ولكنه يحتاج ذلك إلى جهد عالمي يماثل التحديات التي تجب مواجهتها، فيما تكون المهمة في الدول النامية أكثر إلحاحا. فكيف يمكن لهم مقابلة الحاجة المتزايدة للطاقة، في الوقت الذي عليهم فيه تخفيض تأثير ذلك على البيئة؟ وبدلا من النظر إلى خفض انبعاث الغازات باعتباره نشاطا مكلفا يخفض العبء على التغييرات المناخية، يجب علينا النظر إليه كفرصة لتخصيص أموال للاستثمار في اتجاه مختلف للطاقة ـ اتجاه لا يؤدي فقط الى تقليل استخدام الكربون، ولكن ينوع موارد العالم من الطاقة، ويحافظ على غابات العالم ويسمح بالانتقال من الطاقة الاحفورية المحدودة نحو المزيد من الاعتماد على الطاقة المتجددة والإبداع التكنولوجي. هذه هي الفرصة التي علينا اغتنامها، والورطة التي تواجهها أفقر شعوب العالم تدعونا إلى ضرورة العمل وبسرعة. ولكن من المحزن أن أكثر من مليار شخص حول العالم يصارعون من اجل تأمين عيشهم الدولي بأقل من دولار يوميا. بل يوجد مزيد من الأشخاص الذين ليست لديهم كهرباء. وفي المناطق الريفية من الدول النامية، ولا سيما في جنوب آسيا وجنوب الصحراء في أفريقيا، يعيش 4 أشخاص من كل خمسة بلا كهرباء.

ويتطلب التغلب على هذا الفقر والبؤس زيادة الطلب على الطاقة في الدول النامية. ولكننا في حاجة إلى الاستعداد للرد على هذا الطلب المتزايد بقدر قليل من ثاني اوكسيد الكربون. لقد ذكرت الدول الفقيرة انه لا يجب عليها دفع ثمن اعتماد الدول الغنية على الطاقة الاحفورية. وهي على حق في ذلك. وعلى الدول النامية ضرب المثل. اليوم تتجه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نحو اعداد خطط لتنشيط واستبدال كل البنية الأساسية تقريبا لمؤسسات إنتاج الطاقة فيها. ان القرارات التي تتخذ في العواصم الاوروبية وفي اميركا الشمالية اليوم ستؤثر على اجيال قادمة، ولذا فمن الضروري اتخاذ القرارات السليمة والاستثمار في تقنيات نظيفة، والتوجه نحو استراتيجيات ذات كميات قليلة من ثاني اوكسيد الكربون.

والى ذلك يتطلب خفض انبعاث غازات الدفء الحراري إطارا تنظيميا طويل المدى وعالميا تظهر فيه الدول الغنية قدرتها القيادية بدعم الدول النامية مقابل الاستفادة العالمية من تنمية أكثر اخضرارا وذكاء. وهذا الإطار يحتاج إلى طرح ثقة لتنشيط الأبحاث والتطوير في التقنيات التحويلية، ويجب أن يسمح بازدهار أسواق الكربون وتقديم تدفق مالي للدول النامية، تدفق يمكن أن يصل إلى ما يقرب من 100 مليار دولار في عدة عقود. وقد اقترح وزير البيئة في بريطانيا، دافيد ميليباند، أن مقايضة الكربون يمكن أن تخلق تدفق موارد تصل إلى 200 مليار دولار سنويا، نصفها يذهب الى دول العالم الثالث. وبالطبع فإن 100 مليار دولار مبلغ هائل. فهو يتعدى ما أنفق حاليا على مساعدات التنمية الرسمية من المؤسسات الثنائية والمتعددة. ولكنه اقل بكثير مما ينفقه العالم سنويا على الطاقة الاحفورية. فهو يمثل 7 في المائة من 1.5 تريليون دولار ينفقه العالم سنويا على النفط وحده، بدون وضع الغاز والفحم في الحساب.

وهناك استخدامات أفضل لتلك الأموال، فبدلا من استيراد طاقة احفورية يمكننا الاستثمار في إبداعات تسمح لنا بتحقيق احتياجاتنا من الطاقة بدون إلحاق الضرر بالبيئة.

وفي البنك الدولي، نضع أهمية كبرى على الطاقة المتجددة في إطار دعمنا للدول النامية. فنحن نروج للطاقة الحرارية في كينيا ومشاريع الطاقة الهيدرولكية في المناطق الريفية في أوغندا. وفي نيبال نؤيد برنامج البيوغاز الذي يحل محل وقود الخشب للطهي في البيوت الريفية، وبالتالي نخفض التلوث بالإضافة إلى خفض انبعاث ثاني اوكسيد الكربون. كما نعمل على نشر خلايا الوقود في المناطق الريفية في أفريقيا. وفي الهند وكينيا والمغرب، نروج لاستخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء. ومن هنا، وإذا ما عملت الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات التنمية الدولية معا، يمكننا تحويل الإجماع العالمي الوليد حول تغييرات الطقس إلى عمل محدد، ويمكننا تمويل الاختراعات والعثور على حلول، كما يمكننا النظر بمزيد من الثقة نحو مستقبل مختلف، مستقبل لا نضطر فيه للاختيار بين الازدهار والبيئة الصحية لأنهما سيكونان في متناول يدنا.

* رئيس البنك الدولي ـ

خدمة «غلوبال فيو بوينت» خاص بـ«الشرق الأوسط»