العلم والاختراعات.. أين الأخلاق؟

TT

الهدف من الأبحاث العلمية والتكنولوجية هدف انساني، يتمثل في خدمة وسعادة البشرية وحل مشكلات المجتمع ودفع عجلة الإنجازات العلمية والتكنولوجية قدما للأمام. ولكن المتتبع لأخبار العلم والتكنولوجيا السريعة والمثيرة، يجد أنها قد تجاوزت بكثير حدود وأخلاقيات العلم والخيال العلمي، فقد طالعتنا وكالات الأنباء أخيرا بتطورات علمية مثيرة مثل «العلماء يقرأون أفكار الإنسان ونياته، قبل أن يحولها الى أفعال»، «لأول مرة في العالم.. خروف بخلايا بشرية»، «أجهزة أشعة بالمطارات تكشف ما تحت ملابس المسافرين»، «الروبوتات تشارك في حروب المستقبل»، «علماء ينجحون في صنع طاقية الإخفاء»،.. الى غير ذلك من تطورات علمية مثيرة، تطرح العديد من التساؤلات الأخلاقية والاجتماعية المشروعة، حول احتمالات إساءة استخدام مثل هذه التطورات العلمية المثيرة، ومن هذه التساؤلات: ما الذي يقدمه العلم والتكنولوجيا لنا وما الذي يأخذه منا؟، وما هي المسائل والقضايا التي يحلها العلم والتكنولوجيا، وما هي المشاكل الجديدة التي قد تنجم عن حل هذه المسائل؟، وما هي المسائل والقضايا الأخلاقية التي تثيرها التطورات العلمية الحديثة، وبخاصة في مجالات التكنولوجيا الحيوية (البيوتكنولوجي)، والهندسة الوراثية، والنانوتكنولوجي (التقنيات المتنــاهيــة في الصغر)، والروبوتات والذكاء الصناعي؟، وهل هناك حدود للعلم والتكنولوجيا، ومن المسؤول عن اطلاق صفارات الإنذار عند تجاوز العلماء لخطوط العلم الحمراء؟

فعلى سبيل المثال، اذا كان التطور في الأبحاث الجينية سيمكن الأطباء بسهولة وبسرعة من تشخيص وعلاج الأمراض وبخاصة المستعصية منها، كما سيساعد مصانع الأدوية على انتاج أنواع جديدة من الأدوية الفعالة، فإنه على الجانب الآخر هناك مخاوف أخلاقية كثيرة من التلاعب بالجينات البشرية وسوء استغلالها للكسب المادي، والاتجار بحياة البشر أو صنع أسلحة جينية لنشر الأمراض وتدمير شعوب بعينها. وفي حين أنه لا يوجد خلاف يذكر بشأن الكثير من جوانب التكنولوجيا الحيوية وتطبيقاتها الواعدة، فإن هناك قضايا أخلاقية وجدلا عنيفا على مستوى العالم بشأن الكائنات المعدلة وراثيا، اذ أن هناك مخاطر محتملة لها على الإنسان والحيوان والبيئة.

يقول عالم الفلك البريطاني مارتن ريسMartin Rees في كتابه «ساعتنا الأخيرة» Our Final Hour عام 2003 إن العلم يتقدم بدرجة لا يمكن التنبؤ بها، وفي نطاق أخطر من أي وقت مضى. ويعدد الأخطار الكبرى التي تهدد الجنس البشري.. ارهاب نووي، وفيروسات مميتة معدلة وراثيا، وانفلات أجهزة من صنع الإنسان، وهندسة وراثية تغير طبيعة البشر، كما أن آلات في منتهى الصغر تحمل فيروسات يمكن أن تعيث فسادا وتقضي على قارة بأكملها في غضون بضعة أيام، وكل هذا قد ينجم عن خطأ أو بتدبير من أشرار.

كما أن التطورات السريعة والمذهلة في مجال تكنولوجيا الروبوتات ـ وبخاصة في المجالات العسكرية ـ تثير العديد من القضايا والتساؤلات الأخلاقية، التي لم تعد من قضايا التخمين البحت، بل أصبحت واقعا يناقش في العديد من المؤتمرات الدولية والمؤسسات العلمية في دول العالم المتقدمة، والتي من بينها، ما الذي سيحدث عندما تتعارض مصالح الروبوت مع مصالح الإنسان؟ وهل تستطيع أجهزة الروبوت أن تؤذينا ولو بالمصادفة؟ وهل من الممكن أن تسيطر علينا؟ خاصة أن هناك تخوفات من البعض من ردود الأفعال التي قد تصدر تجاه الروبوتات الذكية، وبخاصة حينما تنجح البحوث في تطوير وانتاج روبوتات ذكية، يمكنها القيام بالتدريس ومرافقة المسنين أو روبوتــات محــاربة فــي ميدان القتال.

لقد أصبح الاهتمام بمناقشة سلبيات وايجابيات العلم والتكنولوجيا أمرا في غاية الأهمية، وبخاصة ما يتعلق بأخلاقيات العلم، كما أن المجتمع البشري عموما يجب أن يكون حذرا من اتجاه واندفاع بعض العلماء لإجراء أبحاث معينة، من دون تقييم لنتائجها النهائية وتأثيراتها الاجتماعية والأخلاقية على المجتمع مستقبلا.

وأخيرا يمكن القول إن تقدم المجتمعات لا يعتمد فقط على العلم والتكنولوجيا، وانما أيضا على الأخلاق التي أصبحت في حاجة لثورة مماثلة تماما لثورة العلم والتكنولوجيا الحالية، لوقف استغلال العلم وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، كما أن هناك ضرورة لإعادة النظر في قواعد الأبحاث العلمية وتطبيقاتها، حتى يظل العلم في سياقه الملائم، كما يجب أن تكون هذه الأبحاث الجديدة والمثيرة دعوة لمناقشات دولية بشأن الاستخدام الأمثل والملائم لإنجازات العلم والتكنولوجيا التي تم وسيتم التوصل اليها مستقبلا، ووضع معايير وقواعد أخلاقية تضمن حسن استغلال مثل هذه الأبحاث والاستفادة من هذه التطورات العلمية والتكنولوجية، في تحقيق الخير للبشرية جمعاء.

* كاتبة وباحثة مصرية مهتمة بالشؤون العلمية