صاحب ضربة الحذاء: من أشخاص تولستوي

TT

تنشأ بين الصحافي وذوي الأسماء التي يكتب عنها، «علاقة» تشبه تلك التي تقوم بين المداومين على الأفلام وبين نجومها. فبعد حين يخيّل إليه أنه يعرف أولئك النجوم، ويروح يتحدث عنهم في ألفة كأنما أمضى في رفقتهم أمسية البارحة. وقد كان لبعض زعماء الدول أفضال عليّ في مهنتي، دون أن يدروا؛ فقد تابعت الجنرال ديغول من بلد إلى بلد ومن قضية إلى قضية، بحيث تحسنت علاماتي لدى القراء. وشغفت بمتابعة أعمال الزعيم الكندي بيار اليوت ترودو، ثم قابلته غير مرة. وذاع أحيانا أنني «صديق» الرجل، وهو اللقب الذي يمنحه بعض الزملاء لكل مَن صافحوه على سلم طائرة. أو بالأحرى كنيسة. بحيث لا تعود للسياسي صفة أخرى سوى أنه «صديق».

كانت للزعيم السوفياتي نيكيتيا خروشوف «أفضال» مهنية حقيقية عليّ؛ ففي المرة الأولى ترجمت إلى العربية خطابا ألقاه في معرض للفن التشكيلي ووصف خلاله إحدى اللوحات «بغائط الكلاب». وأثارت الترجمة أحاديث بيروت. وفي المرة الثانية عهدت إليّ «النهار» ترجمة مذكرات خروشوف عام 1970، وقد أثير حولها آنذاك جدل كبير. وبسبب الإقبال على قراءتها، زادت علاماتي المهنية أيضاً. وعندما ذهبت إلى موسكو عام 1972، خطر لي بكل جدية وكل رومانسية أيضاً، أن أقوم بزيارة مدفن نوفوديفتشي، الذي ووري فيه الرجل، لكي أكتب عن أمر ممنوع في موسكو. فقد ألغي خروشوف من الذاكرة كما ألغى هو ستالين. وكدت أقوم بتلك الزيارة لولا الخوف من تهمة الذيلية والإمبريالية ومحاولة إحياء ذكرى الذين لا يذكرون.

فقد كان مدعاة افتخار أن تكتب عن خروشوف وهو في السلطة والحكم، وليس بعد الإطاحة به. وكان محمد حسنين هيكل قد وضع حلقات شهيرة كثيرة، ليس فقط حول أحاديثه مع خروشوف، لكن أيضاً مع صهره، رئيس تحرير «البرافدا»، الكسي ادجويي، الذي كان أيضاً أحد مستشاريه الرئيسيين. قبل سنوات صدر في الولايات المتحدة ما يمكن اعتباره أعمق سيرة لخروشوف، وضعها الاختصاصي والبروفيسور وليم تابمان. لا أدري لماذا لم يخطر لي وقتها، وخطر لي فقط الآن، أن أبحث في الكتاب عن تلك الصفحات والمناسبات التي ساعدتني في مهنتي. وإذ أعدت القراءة في نشوء وسقوط نيكيتيا سيرغيفيتش، خيّل إليّ أنني أقرأ في «الحرب والسلم» لتولستوي، أو في «الدكتور جيفاغو» لبوريس باسترناك، أو في أعمال تشيكوف أو تورغنيف، أو في أي من تلك الملاحم الروائية الروسية.

إلى اللقاء.