أنقذوهم من جشع «المستثمرين»

TT

يتملكني الحزن كثيرا في كل مرة أسمع فيها عن معاناة الطلاب السعوديين الذين يدرسون على حسابهم في الخارج، أولئك الذين دفعتهم ظروفهم الاقتصادية إلى ارتياد جامعات في أماكن نائية من العالم لا تتوفر بها سفارات لبلدهم، ولا ملحقيات تعليمية.. وآخر الأخبار الأليمة تلك الظروف الخطرة التي يعيشها 200 طالب سعودي في أوكرانيا بسبب تردي الأوضاع الأمنية هناك، إذ غدوا هدفا للعصابات الإجرامية المسلحة، حتى أن طالبا منهم تعرض لعملية اختطاف مؤخرا تحت تهديد السلاح، وقد نجا من الموت بأعجوبة بعد أن تخلى عن جواز سفره، وهاتفه الجوال، والمبلغ المالي الذي بحوزته، ولا يزال أولئك الطلاب حتى كتابة هذه السطور يعيشون ظروفا حرجة للغاية تجعل من استمرارهم هناك مجازفة غير مضمونة العواقب..

وفي السعودية اليوم عدد من الجامعات والكليات الأهلية التي تشتط في رسومها بصورة غير مقبولة ولا معقولة في ظل غياب الرقابة ـ بصورة مطلقة ـ على الاستثمار في الحقل التعليمي، حتى غدت تلك المؤسسات التعليمية مؤسسات للخاصة، وتوشك أن تكون مغلقة الأبواب في وجه الشريحة الكبيرة من أبناء المجتمع، الذين تضرهم إمكاناتهم المادية المحدودة إلى البحث عن فرص الدراسة الجامعية في دول خارجية كأوكرانيا وغيرها، حيث تنخفض تكلفة الدراسة والحياة هناك عن تكلفة الدراسة في تلك الكليات الأهلية داخل الوطن.

إن ملف التعليم الأهلي الجامعي وقبل الجامعي في السعودية ملف تشوبه الكثير من المبالغات المتصلة بالرسوم الدراسية للطلاب، والأجور المنخفضة للمعلمين، وكأن شريحة كبيرة من المستثمرين جاءت إلى الحقل التعليمي بنفس درجة الجشع التي تنقض فيه على المشاريع الاستثمارية الأخرى في أسواق العقار والأسهم وغيرها، ومن دون إدراك لطبيعة حقل التربية والتعليم، وما يفترض أن تسوده من قيم، أو تحكمه من مثاليات.

إن وزارة التعليم العالي يفترض أن تتدخل لوضع معايير موضوعية للرسوم الدراسية في الكليات الأهلية، ومثلها يفترض أن تفعل وزارة التربية والتعليم بالنسبة للمدارس الأهلية، التي تفرض أكبر قدر من الرسوم على الطلبة والطالبات من جهة، وتمنح الفتات لمعلميها ومعلماتها من جهة أخرى، وقد فشلت وزارتا العمل والتربية والتعليم معا في فرض حد أدنى من الأجور لمعلمي ومعلمات تلك المدارس، وتركوهم نهبا للكثير من تلك المدارس التي تستغل حاجتهم إلى العمل أسوأ استغلال.. فلدى معلمي ومعلمات تلك المدارس من الحكايات ما ينبغي الإنصات لها إن كان ثمة رغبة في الإنصاف.

[email protected]