الخدعة اللعينة

TT

قرأت اليوم ان من بين كافة المتسابقات علي لقب ملكة جمال الكون خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية فازت باللقب احدى عشرة متسابقة من دول امريكا اللاتينية.

نسبة كبيرة بلا شك، وان دلت على شيء فتدل في الظاهر على ان حظ بنات امريكا اللاتينية من مقاييس الجمال التي تحددها المؤسسات الغربية التي تشرف على المباريات كبير كبير. فهل هو كذلك بالفعل؟

في سياق المقال المنشور في مجلة علمية متخصصة في علم النفس قرأت ان النساء في دول امريكا اللاتينية يتعرضن لضغوط شتى بغية الوصول الى الملامح الاوروبية المقبولة في الثقافة الغربية والتي تؤثر في حظ النساء في الحياة الاجتماعية وفي مواقع العمل ايضا. ويستطرد كاتب المقال قائلا ان المجتمعات اللاتينية تعاني من عقدة نقص لأنها تلهث بلا هوادة وراء الثروة والعصرنة ولا تصل اليهما تماما. ويروي ما جاء في كتاب بعنوان اقنعة الارجنتين من ان عيادات جراحي التجميل اصبحت في نظر سكان الارجنتين بوابة الدخول السريع من العالم الثالث الي العالم الاول. وان صدق الكاتب في افتراضه فان الواقع اشد ايلاما مما أظن خاصة ان الفقر هو ألد اعداء الغالبية العظمي من سكان دول امريكا اللاتينية.

قرأت ان التفكير في الجراحة التجميلية يصاحب الفتيات من سن الثانية عشرة فما بعدها. فمن تفكر في تكبير حجم الصدر تتبعها من تتمنى سرا ان يزول احدوداب الانف ولا يمنعها سوى قلة الموارد المادية. وهذه الاحوال لا تقتصر على الارجنتين بل تسود ايضا في البرازيل وفنزويلا حيث بلغ الاهتمام بجراحة التجميل حد الهوس. منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر وتحول اقتصاد بعض الدول من الاقتصاد الموجه الي اقتصاد السوق كما حدث في الارجنتين نفضت جراحات التجميل عن نفسها سوء السمعة واصبحت في حكم السلعة الاستهلاكية فتدفقت على العيادات جماهير المستهلكين من النساء والرجال ايضا.

والطريف هو ما كتبته امرأة امريكية عاشت لفترة في بيونس ايرس، فقالت انها اشتركت في ناد رياضي اعتادت ان ترتاده اثناء اقامتها في الارجنتين. وفي غرفة تغيير الملابس راعها ان تكتشف ان الغالبية العظمى من زبونات النادي خضعن لجراحة تكبير الصدر كما لو ان كلا منهن خرجت الي السوق واشترت نفس الموديل بنفس الحجم والمواصفات.

قرأت تلك المعلومات المخيفة على زوجي فقال ان المرأة لن تحصل على المساواة التي تتمناها حتي تقتنع كما يقتنع الرجل الذي تجاوز الشباب وسقط شعره وبرز كرشه وفقد اسنانه ومع ذلك يظل مقتنعا بأنه ناجح ومحبوب ومرغوب.

حين فرغت من القراءة لاحت لي وجوه اعرفها لشخصيات تأثرت بها لمطربات وفنانات واعلاميات ولا يخفى علي ان كل منهن ارتادت عيادة جراح التجميل. فمهما برع الجراح يفقد الوجه جزءا من حيويته. وكم تمنيت ان تسنح لي فرصة لكي اهمس لاحداهن ان صوتك يشجيني مهما كان حجم انفك، او ان اداءك كمذيعة يستحق اعجابي حتى لو لم يكن حاجبيك مرسومين بالوشم او لم تطل شفتيك حقنة كولاجين واحدة. فالعقل زينة والكولاجين خدعة لعينة.