الجميلة والوحش

TT

عندما وصلت نانسي بيلوسي، كأول سيدة تترأس مجلس النواب الأمريكي، كانت معظم التعليقات تتناول أناقتها وهندامها واختيارها لألوان ملابسها وزينتها، ولكن سرعان ما بدأ الناس يستمعون للسيدة بيلوسي ويصغون لما تقول. كانت الادارة القابعة و«المحرجة» من الهزيمة الانتخابية النيابية الساحقة، تبذل قصارى جهدها للتقليل والاستهتار والسخرية من السيدة بيلوسي وتعليقاتها، وخصوصا فيما يتعلق بمسألة الشرق الأوسط عموما والحرب الحمقاء على العراق، فبدأت تأخذ مواقف واضحة وحازمة فيما يخص الموافقة على تمويل القوات الموجودة بالعراق أو الموافقة على زيادة أعدادها من دون أن يكون ذلك مرتبطا بجدول زمني شديد الوضوح لانسحابها من هناك. وقامت السيدة بيلوسي منذ أيام بجولة مهمة ومثيرة لمنطقة الشرق الأوسط يرافقها وفد منتقى بمهارة الجراحين وعناية «الجواهرجية»، ففيه نائب مخضرم من أصول عربية، وفيه أول نائب مسلم وفيه أعضاء لجان فاعلة لها علاقة بسياسات أمريكا في المنطقة، ونالت هذه الزيارة ما نالته من الجدل، وخصوصا فيما يتعلق بزيارتها لسورية، ولقد أسهبت وسائل الاعلام الأمريكية المحسوبة على اليمين المحافظ في تحطيم كفاءة ومصداقية هذه السيدة ومحاولة أظهارها كسيدة مبتدئة وغير متمرسة وتنقصها خبرة مهمة وأساسية. واقع الأمر أن رحلة السيدة نانسي بيلوسي الى الشرق الأوسط، هي أفضل صورة ايجابية نقلت ووصلت من الولايات المتحدة الامريكية لهذه المنطقة من العالم، وهي تفوق نتائج كل حملات العلاقات العامة والشخصيات المتخصصة لتحسين الصورة والمسخرة لهذه النوعية من المهام. السيدة بيلوسي تنتمي للحزب الديمقراطي، الذي يمر بمرحلة اعادة اكتشاف مهمة هذا الحزب، الذي بات مرشحا وبقوة للاستيلاء على الرئاسة في أمريكا، وهو أيضا نفس الحزب الذي يقوم بعض اعضائه اليوم بطلب إزالة مصطلح «الحرب على الأرهاب» من مراسلات وطلبات البيت الأبيض للتمويل والمساندة، واستبدالها بـ«الحرب في افغانستان» أو «الحرب في العراق» وأنهم يعتبرون هذا المصطلح مضللا مثله مثل مصطلح «المهمة أنجزت» التي أطلقت بعد اسقاط نظام صدام حسين، وكذلك مصطلح «أسلحة الدمار الشامل» وغيرها من الأكاذيب التي تم الترويج لها ومن أجلها.

نانسي تمثل الوجه الموعود لسياسة خارجية مسؤولة ومرجعية للناخب، وهي صدقت حين قالت إن على جورج بوش أن يدرك تماما أن «هناك كونغرس جديدا في المدينة»، وبالتالي ما كان من الممكن عمله قديما لم يعد من الممكن اليوم. اجتمعت مع السيدة بيلوسي في عشاء خلال زيارتها الاخيرة للمنطقة، واستمعت لآرائها، ورأيت كيف تتعامل وتسمع، وتحترم الرأي الآخر وتقدره، وليس لديها الحدة والفوقية والتعالي وقلة الاحترام للآخر، كما هو موجود في بعض عناصر الإدارة الأمريكية الحالية. كانت نانسي بيلوسي تتحدث أمام أحد رجال الأعمال، وقالت معلقة على لقائها بأحد زعماء العرب: إنه يعتمد على العنف والانفراد بالقرار، والتعامل مع مجموعات مريبة، ويعلق رجل الأعمال: هل تقصدين الزعيم العربي أم جورج بوش؟ فابتسمت متفهمة!