طاش .. رمانة الميزان

TT

حوار إعلامي ملتهب على قناة الـART حمي وطيسه بين الدكتور عايض القرني والزميل مشاري الذايدي، لم يكن اللافت في هذا اللقاء حرارة الحوار، فالسخونة محصلة طبيعية لمتحاورين يمثلان رؤية فكرية مختلفة، اللافت في هذا اللقاء وبطله شخصية إعلامية إسلامية لامعة، كان يحمل بين جنباته مخزونا من التوازن جعله خلال هذا اللقاء العاصف، يرش الحوار الملتهب بقطرات من التوازن، ويمطره برذاذ التهدئة بغية تقريب وجهات النظر أو بالحد الأدنى عقلنة الحوار، هذا الرجل الذي يحمل «ترسانة من الحب والسماحة» كما أحسن في وصفه الزميل الذايدي، هو الدكتور عبد القادر طاش أستاذ الإعلام الإسلامي ومؤسس قناة «إقرأ» ورئيس التحرير لعدد من الصحف السعودية والذي وافق الأربعاء الماضي 4 إبريل الذكرى الثالثة لرحيله، رحمة الله عليه.

«رمانة الميزان» عند إخواننا المصريين هي قطعة حديدية صغيرة في الميزان، يحركها التاجر لإحداث التوازن بين وحدات الكيلوجرام والمواد الموزونة، و«رمانة الميزان» هو ذات الوصف الذي أطلقه معد هذا البرنامج الحواري الساخن على الدكتور عبد القادر، وصف جميل ومعبر ودقيق والوصف الأكثر دقة أن الدكتور طاش «رمانة الميزان» في كل حياته ومع كل من تعامل معه مهما كان موقعه على خارطة التصنيف الفكري، وأيا كان لونه في الطيف العقدي، إنها رمانة ميزان by default كما تقول لغة الكمبيوتر.

لم يدر بخلد هذا الذي وصفه برمانة الميزان أن الدكتور طاش حقا رمانة طائفية حلوة تفتحت زهرتها في مدينة الطائف السعودية، البلد الأشهر عالميا في إنتاج أجود أنواع الرمان، وهكذا كان طاش.. رمانة رائعة المظهر، حلوة المذاق، طيبة المطعم، تشفي علل التخلف وتداوي أسقام الجمود، كل الذي في «طاش الرمانة» مفيد.. الحب والقشر، وحتى اللب المر في جوف الرمانة الطاشية وصفة طبية ناجعة، وهكذا كانت بعض طاش الجريئة في الإصلاح بشكل عام والإصلاح في «الجسد الإسلامي» بشكل خاص، كانت هذه الطروحات عبارة عن قطع من لب الرمان المر والمفيد، ربما ضايقت البعض من هذه المرارة، ولكن تبقى الحقيقة أن (ما حرك داواك).

روعة هذه الرمانة البشرية الجميلة المتوازنة، أنها احتفظت بانتمائها الإسلامي الصريح فلم تداهن الخصوم، ولم تجامل الأصحاب، ومع ذلك احتفظ الدكتور طاش في قلوب الجميع بود نادر وتقدير فائق، وهذا وربي ميزة ما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.

لقد تعمدت أن أشير في بداية المقالة إلى الحوار العاصف، الذي كان طاش رحمه الله «رمانة ميزانه» لإننا بحاجة ماسة في أيامنا هذه لاستزراع مثل هذه الرمانة التي تجيد مع الاحتفاظ بقناعاتها ومسلماتها التواصل مع الآخر، ومع كل أحد في وقت تعالى فيه الزعيق والتوتر، وانتشر فيه وباء اتهام النوايا، وكثرت مفردات التحريض والاستعداء، الدكتور طاش عينة واقعية تثبت أن الذي يحمل في جنباته مخزونا من الصدق والإخلاص والسماحة واللطف والمحبة، قادر على التغيير والتأثير والإقناع وهكذا كان عبد القادر.

ثمة رجل وفي حفي خفف عنا من ألم فقد «رمانة الميزان» الدكتور طاش في ذكرى وفاته، هو الصديق الدكتور عبد العزيز قاسم نائب رئيس تحرير صحيفة «المدينة» السعودية والمشرف على ملحق «الرسالة» الناجح والمثير والذي كان أصلا من بنيات أفكار الدكتور طاش، لمسة الوفاء تمثلت في أطروحة كان «الدكتور طاش وتجربته الإعلامية» عنوانها، وقد تقدم بها الدكتور عبد العزيز قاسم لنيل درجة الدكتوراه في مجال الإعلام، فنالها في الذكرى الثالثة لوفاة أستاذه ونال معها مباركتنا وتقديرنا ودعواتنا، وما أجمل الوفاء للموتى الذين لايرغبون ولا يرهبون، رحم الله الدكتور طاش وعوضنا «رمانا» مثله أو خيرا منه.

[email protected]