هل ستبيع أوروبا روحها للملالي؟

TT

منذ خمس سنوات ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية تخوض ضد المجلس الأوروبي معركة قضائية عبر محكمة العدل الأوروبية. جوهر القضية يتعدى إطار خلاف قضائي دولي.

فبدعم مهم من آلاف الحقوقيين ومئات النواب الغربيين، أحرزت منظمة مجاهدي خلق نصرا كبيرا، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2006. عندما حكمت محكمة العدل الاوروبية في لوكسمبورغ بحكم يقضي برفع اسم المنظمة من قائمة الإرهاب، انطلاقا من عدم قانونية وجودها على هذه القائمة. يجدر بالذكر أن المحكمة المذكورة حمّلت دول أوروبا 80% من كلفة المتابعة القانونية.

في هذا الموقف ما يشرّف الجهاز القضائي والسياسي الأوروبي، كون الحكم المشار إليه الأول من نوعه في مجال القانون والذي يقول بأن الدافع للحكم هو سياسي محض، وليس من أجل استتباب الأمن (هذا ما كان مسؤولون أمريكان وأوروبيون اعترفوا به سابقا عندما صرحوا بأن مسعاهم «طمأنة» الحكومة الإيرانية).

بعد شهر من صدور الحكم، عمل مجلس وزراء الاقتصاد الأوروبيين على التحايل على قرار العدالة بإبقاء اسم منظمة مجاهدي خلق على اللائحة السوداء. لهذا الإجراء الغريب نتيجتان خطيرتان أريد أن ألفت نظر الدول الأوروبية اليهما:

أولا، أن تدوس الدول الأوروبية على قرار محكمة أوروبية من طرف المجلس الأوروبي، له عواقب كارثية على صورة أوروبا وعلى المشروع الأوروبي في أوروبا، وأمام حلفائها في العالم. هل من الضروري التذكير بأن المشروع الأوروبي هو مشروع توحيدي لا سابق له في تاريخ البشرية، كونه يرسي أسس تطبيقه ليس على استخدام القوة، وإنما على إرادة سيادية للشعوب لخلق فضاء من الرخاء القائم على دولة القانون؟

منذ اتفاقية برشلونة في 1995 بنى الاتحاد الأوروبي مفهوم شراكة مع بلدان جنوب حوض البحر المتوسط من أجل استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد ألح الأوروبيون على حق أنه لا يمكن إحقاق الأمن من دون تنمية، ولا تنمية من دون حكم رشيد، ولا حكم رشيد من دون احترام دولة القانون. المادة الثانية من اتفاقات الشراكة الأورومتوسطية تقضي باعتبار احترام حقوق الإنسان ودولة القانون دعامة لهذه الشراكة.

لذا أجد نفسي كمتوسطي قلقا من انهيار مصداقية المشروع الأوروبي، بفعل ازدراء الأوروبيين أنفسهم لقرارات العدالة الأوروبية.

المسألة الأخرى تتعلق بعلاقات الدول الأوروبية بإيران. من سخرية القدر أن الدول نفسها، التي اعتقدت بسذاجة عام 1938 انه يمكنها طمأنة النازية بمنحها ميونيخ، تحمل اليوم وهماً بطمأنة الدكتاتورية الدينية في طهران. روحية ميونيخ كان من نتائجها المباشرة التضحية بتشيكوسلوفاكيا وبولونيا والنمسا، قبل أن تؤدي تاليا إلى الحرب العالمية الثانية.

بعض الحكومات الغربية، التي ما زالت تبدي ثقتها بمصداقية التعهدات التي يقطعها نظام توتاليتاري، تعقد أوهاما على إمكانية إبرام اتفاقات مع سلطة تعتبرها في الوقت نفسه المجموعة الدولية، وأوروبا والولايات المتحدة قبل غيرها، في غاية الخطورة وبحيث لا يمكن تركها تحصل على الطاقة الذرية.

لذا، هم يعتقدون بإمكانية مقايضة العدول المزعوم للسلطة في إيران عن مشروعها النووي باستئصال أية إمكانية للمقاومة عند الشعب الإيراني. هذه هي حصيلة الإضعاف المستمر لمنظمة مجاهدي خلق على وجه الخصوص.

هل يمكننا استخلاص الدروس من التجربة العراقية الأليمة؟ بعد أكثر من ثلاثين سنة من الدكتاتورية الفجة والدموية، والتي لم تترك أي مجال لمعارضة أو إمكانية مقاومة، تهاوى النظام البعثي بفعل قوة خارجية وليس على يد مقاومة داخلية. إن ما نتج عن ذلك من غياب كامل لأي بديل لا يترك سوى تعميم الفوضى التي ستستمر لوقت طويل.

على خلاف ذلك، إيران هي اليوم البلد المسلم الوحيد الذي يوجد فيه بديل للدكتاتورية ذو مصداقية. وهو يتأتى من ثقافة المقاومة والمعارضة التي تعود للقرن الماضي، ومن إمكانيات ما زالت تنمو منذ عهد الشاه الدكتاتوري.

لماذا إذن ما فتئت الإدارات الأمريكية والأوروبية تستشرس على هذا الرأسمال الهائل، الذي تمثله المقاومة الإيرانية، أمل الشعب الإيراني الوحيد من أجل التحرر؟ ألا تعتقد أن المزيد من التنازلات سيجرها للكارثة؟ إن إغماض العين عن هذه الحقيقة يقدم خدمة للدكتاتورية التي سيدفع ليس فقط الشعب الإيراني ثمن بقائها، وإنما أيضا شعوب المنطقة والعالم أجمع.

وعليه، بات من الضروري على أوروبا الإسراع في وضع حد لـ«سياسة النعامة» تجاه إيران، بدءا باحترام قيمها في سلوكها تجاه المقاومة الإيرانية.

* رئيس وزراء الجزائر الأسبق

[email protected]