فكرة: نموذج كوري في العراق؟

TT

يعتقد الرئيس بوش أن وظيفته هي إقناع الشعب الأميركي بأن الحرب في العراق ليست إعادة لحرب فيتنام، فيما يواجه إخفاقا مريعا في تلك لمهمة. وأفضل أمل للرئيس في الوقت الحالي يتمثل في إقناع أميركيين بأنه باستمرار المساعدة الأميركية ما يزال العراق قادرا على أن يصبح كوريا.

ولكن كل أشكال المقاربات التاريخية ناقصة. فالتعامل مع كوريا أو فيتنام كنماذج للعراق قضية إشكالية على مستويات كثيرة. ولكن طبيعة الخيارات الأميركية في إنهاء حروب لا تتمتع بتأييد شعبي تبقى طبيعة مستمرة على نحو مدهش. ويشير التاريخ إلى أن البدائل في العراق تتمثل في ثلاثة: الرحيل غير المنظم، أو توفير فترة مناسبة للقوات المحلية لتقرر مصيرها، أو تعزيز درع ثابت يمكن أن يظهر خلفه تغير ايجابي على المدى البعيد.

وقد نشأت كوريا في إطار هذه الطريقة الثالثة، بينما أصبحت نهاية اللعبة الأميركية في فيتنام توليفة كارثية من البديلين الأولين، حيث الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون خاض معركة مع البيت الأبيض الذي كان بيد الجمهوريين حول استراتيجية الحرب وتمويلها. وليس من المدهش بالتالي أن يؤكد بوش، كما فعل أمام آخر زوار البيت الأبيض، رغبته في تجنب أن تصبح تلك الحصيلة نموذجا للعراق.

ولكن يجب على الرئيس الآن أن يعلن عن بديل واقعي يبرر للناخبين التضحية المستمرة للأميركيين بجنودهم وأموالهم في ما أصبح حربا طائفية تغذيها الدول المجاورة. وقد خسر الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس التي جرت في نوفمبر الماضي، بحيث أن بوش لم يعد قادرا على الاعتماد على المناشدات الحزبية بشأن النزعة الوطنية أو على الحجة القائلة بأن تضحيات الأميركيين يجب استثمارها لمنع خسارة أعظم في الحياة بين شيعة وسنة العراق.

ويجري التقليل من أهمية الحسابات في السوق السياسية للولايات المتحدة والعراق والشرق الأوسط. ويقول دبلوماسي عربي يتعامل مع العراق انه «يوجد كثير من العراقيين ممن يريدون أن تغادر الولايات المتحدة، لأنهم يعتقدون أن جماعتهم ستفوز في حرب قادمة اكبر. ويقول الأميركيون أنهم سيغادرون؟ هل ذلك تهديد أم تعهد؟ نحن مستعدون».

وتشير مثل هذه التعليقات إلى حقيقتين تعكسان مفارقة: الأولى هي أن هناك فرصة محدودة في انسحاب أميركي سريع وسهل وبدون تكاليف للقوات الأميركية وللعراقيين كما يفترض منتقدو الحرب، أو يتظاهرون بالافتراض. وهناك فرصة محدودة في أن تكون هذه الحكومة العراقية مستعدة أو قادرة على تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، في إطار المواعيد النهائية التي يحاول الكونغرس والإدارة فرضها على بغداد بطرق مختلفة.

لكن حكومة نوري المالكي والبيت الأبيض والقيادة الديمقراطية للكونغرس يزعمون أمرا آخر يخدم أغراضهم. وهذا ما يعطيهم غطاء كي يتعاملوا مع هذا السؤال الجوهري: هل ان العراق قابل للشفاء بأي طريقة ذات معنى بعد ثلاثة عقود من الاضطراب الداخلي وأربعة أعوام على الاحتلال الفاسد؟

وإذا كان الجواب بالإيجاب، فإن تقديم ترس ثابت داخل العراق هدف جدير بالتحقق. وهدف من هذا النوع يتطلب تحولا في آفاق الوقت ونماذج تستند إلى مفاهيم واضحة، إضافة إلى تحول مباشر في تكتيكات القتال التي تبناها الجنرال ديفيد بترايوس مع قدر من النجاح داخل وحول بغداد. ومثال مشجع آخر تبنته وزارة المالية يتمثل في إعادة صياغة ماليات العراق، وهذا من خلال تكييف المساعدات التي سيقدمها «المركب الدولي» الجديد حول الإصلاحات العراقية. كذلك هناك حاجة إلى القيام بنشاط دبلوماسي في المنطقة لإشراك السعودية وإيران من أجل تخفيض التوترات السنية ـ الشيعية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل. وحصل المالكي على موافقة الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضية لعقد مؤتمر إقليمي سيشمل أيضا المتبرعين لمشروع «المركب الدولي» في شرم الشيخ بمصر خلال يومي 2 ـ 3 مايو المقبل.

لا يستطيع بوش أن يتجاهل حقيقة أن أكثرية الأميركيين، حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، يقولون إن العراق لا يستحق الجهود. وبدأ الديمقراطيون التصريح بأن الحرب لا يمكن الانتصار فيها، بل هي غير قابلة لتحقيق ذلك، مثلما قال زعيم أكثرية مجلس الشيوخ هاري ريد الأسبوع الماضي، حيث سمى الوضع في العراق بـ«هذه الحرب الفاشلة» ثم هدد بقطع التمويل على القوات الأميركية في العراق. يمكن القول إن موقف الديمقراطيين الآن يقف عند الحافة: فهم كحزب لا يريدون تحمل مسؤولية إنهاء الحرب الآن في حالة قناعتهم الحقيقية بأنها غير قابلة للانتصار. لكنهم غير راغبين في الالتزام بجهد متواصل من هذا النوع يتطلب موارد إذا كان النجاح المحدود الذي تحقق الآن يمكن حمايته وتوسيعه.

من الناحية التقنية، لم يقطع الكونغرس المساعدات المالية عن القوات الأميركية المقاتلة في فيتنام. وكانت القوات القتالية قد سحبت من فيتنام حينما صدر قرار إيقاف الدعم المالي عن القوات الأميركية في الهند الصينية عام 1973، وهذا ما أدى إلى منع أية إمكانية لفترة انسحاب محترمة للقوات الأميركية قبل انهيار حكومة سايغون. ويعطي الخلاف البشع الذي تفجر الأسبوع الماضي بين بوش والكونغرس حول تمويل الحرب، مقارنة مع ما جرى في فيتنام. وكلا البيت الأبيض والكونغرس بحاجة إلى أن يبحثا فيما إذا كانت هناك طريقة أفضل للتقدم إلى الأمام في هذه المرة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ «الشرق الأوسط»)