فرقة حزب الله

TT

المتابع الموضوعي للوضع المتأزم في لبنان، لا بد أن يتعجب من أقصى درجات الاستغلال لفكرة المقاومة التي تبناها حزب الله في يوم من الأيام (حين كانت أولوياته «فقط» مواجهة اسرائيل وتحرير الأراضي المحتلة)، ولكن من الواضح أن هناك «رابطة مشجعين» للحزب تسعى لتأجيج خطابه ورفع سقف مطالبه لتقبع تحته كحماية مؤقتة لها، وتشتيت لأفكار من يلاحقها. هناك توريط واضح للحزب بحيث يكون هو العقبة الأولى أمام الحلول المطلوبة، حل المحكمة الدولية، وحل عقد جلسات البرلمان المعلق منذ زمن ليس بالقصير، وحل اختيار الرئيس القادم للجمهورية. فاليوم يبدو واضحا وجليا أن حزب الله هو الحركة الوحيدة الحقيقية على الأرض، التي تقف بشكل واضح أمام حراك المحكمة الدولية، وأمام أداء الحكومة لدورها الطبيعي، وذلك بعد أن انكشف وبشكل فاضح، حجم القوى والوجود الحقيقي للتيار الوطني الحر الذي يتزعمه ميشال عون، وخصوصا بعد أحداث الجامعة والشغب الذي تلاها، فالتيار لم يستطع تأمين مناطقه، واضطر حزب الله لإرسال عناصر للمساندة العددية. هناك فريق لا يزال يراهن على البقية الباقية من الإرث والمجد القديم لحزب الله، وذلك من أجل استحداث «واقع» جديد على الأرض، وبدأ هذا واضحا في خطاب زعيم حزب الله الأخير حسن نصر الله، وخصوصا فيما يتعلق بقضية المحكمة الدولية والتدخل «الخارجي» فيها ولا أعلم كيف فات عليه أن طهران ودمشق وأصفهان وغيرها من المدن المجاورة التي تصدر منها تعليقات شديدة التدخل في الشأن اللبناني وإليها يحج الساسة والقادة اللبنانيون لنيل الرضا وغير ذلك، أو ليس ذلك تدخلا خارجيا أيضا؟ هناك العديد من الأبواق المساندة التي تحتل مناصب إعلامية أو نيابية أو أكاديمية تعمل جاهدة على التبرير وأبداء وجهات النظر الداعمة لما يروج للحزب، وهي في وقع الأمر كمن يوضع على عينيه عصابة سوداء لحجب النظر، ويستمر في رقصة الموت، وإنكار الحقائق والمتغيرات الهائلة البالغة الأهمية. قصة المحكمة الدولية، وجريمة اغتيال رفيق الحريري ليست مجرد «قصة»، ولكنها نقلة في التعاطي مع الجرائم التي استمرت لسنوات طويلة، تحصد الأبرياء الواحد تلو الآخر بشكل اشبه بالأسطورة المخيفة، لا يستطيع أحد مجرد التعليق على ما يحدث خوفا من أن يكون مصيره شبيها بغيره ممن قضي عليه. ولم يعد هذا الأمر شأنا لبنانيا، ولكن هناك رغبة شعبية في العالم العربي لمعرفة من فعل هذه الجريمة النكراء، ويصاحبها تماما تشكيك في قدرة الأجهزة المحلية على القيام بدورها كما يجب أن يكون من دون تعرضها لشتى وأبشع وسائل التهديد والمضايقة، بل وحتى التصفية الجسدية. لقد بات من المطلوب أن يلحق حزب الله نفسه وما أنجزه ويبعد عن الراقصين والمطبلين له في مدرجات الدرجة الثالثة من الملعب السياسي، فهؤلاء قفزوا من الأسوار ولم يدفعوا قيمة البطاقة السياسية نفسها، وعليه فإن وجودهم مع الحزب نفسه هو غير شرعي. المقاومة شرف عظيم يجب ألا يلوث بأنصاف الحقائق، ولا بمآرب أخرى، ويجب ألا يتم استبدال دعم المقاومة المشروع بأهداف اثارة الفتنة والتفرقة. احذروا فرقة حزب الله، فهي ذات أصوات ووجود مزعج وأخطر مما يعتقد الكثيرون.

[email protected]