ما بعد تقرير ميتشل.. اليمين الإسرائيلي يدعو للتصعيد واليسار الصهيوني يزداد تخبطا

TT

الحرب الشاملة هنا، والذين يحاولون تفسير الوضع الحالي كما لو انه ليس حربا شاملة، فان مثلهم مثل الضيوف في قاعة فرساي حين بدأت في الانهيار كانوا يعتقدون بان هذا مجرد مرحلة من مراحل موسيقى الرقص «دي جي».

بهذه الجمل القصيرة عبّرت الكاتبة اليمينية الاسرائيلية (امونه آلون) عن موقف صفوف انتلجنسيا اليمين العلماني الاسرائيلي بصدد المعركة التي يخوضها شارون وحكومة «الوحدة الصهيونية» ضد الانتفاضة والشعب الفلسطيني، واصفة ما يدور بأنه حرب شاملة حقيقية لا تنتهي الا بهزيمة الفلسطينيين وقبولهم بالامر الواقع، والنزول عند مقترحات وافكار الاتجاهات الاكثر يمينية في اسرائيل بصدد قضايا الحل، خاصة بشأن تبرير مصادرة الارض واستعمارها وتهويد معالمها، تحت ادعاءات من نمط القول بالنمو الطبيعي.

المقدمة اعلاه تفسر حدة الهجوم القاسي الذي شنته اوساط اليمين الاسرائيلي على تقرير ميتشل بالرغم من كل المثالب التي يمكن تسجيلها عليه. فالطرف الرسمي الاسرائيلي ما زال يتعامل مع التقرير من خلال تفكيك عناصره الاربعة، ورفض كل ما ورد بين صفحاته بشأن الاستعمار التهويدي الجائر، والاشارة الجوهرية الى الاستيطان واعتباره المصدر الرئيسي لدوامة «العنف والعنف المضاد». لذلك فان جهود المبعوث الاميركي الجديد الى الشرق الاوسط تتركز الآن في سياق تمرير تقرير ميتشل بالطبعة الاسرائيلية على محاولة الربط بين التقرير اياه والمبادرة الاردنية ـ المصرية الهادفة الى التهدئة وعودة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي الى طاولة المفاوضات، والانطلاق من فتح قنوات الاتصالات والاجتماعات الامنية العلنية والسرية لاتخاذ اجراءات على الارض ان تعطي انطباعا عاما يكرس الخفوت التدريجي للعنف الاسرائيلي الموجه ضد الفلسطينيين مقابل سعي السلطة الفلسطينية للتأثير على مجرى الانتفاضة وقواها الرئيسية وصولا الى وقف فعالياتها نهائيا، وبالتالي العودة من جديد الى قواعد التفاوض السابقة من دون اي تغيير او تبديل.

مع هذا، فان ارتفاع حدة المواجهات، وارتفاع اصوات رموز اليمين الاسرائيلي المطالبة بالفتك بالانتفاضة، قد يدمر على الارجح مساعي التهدئة وحتى اجتماعات اللجان الامنية.

وصحيح ان العمليات الاستشهادية التي نشطت في الفترة الاخيرة داخل مناطق 1948 وعلى خطوط التماس بين المستعمرات والمناطق السكانية الفلسطينية في قطاع غزة جددت متانة ترابط الاصطفاف اليميني داخل اسرائيل، الا انها بالمقابل قدمت المؤشرات، بل واعطت اجوبة على طموحات تيار اليمين الاسرائيلي الداعي لاستمرار اسلوب العنف كنهج لازم للقضاء على المطالب الوطنية الفلسطينية الواقعية ووضعها تحت سقف محدود. فالعمليات الاستشهادية اكدت التالي:

* لا مجال لاية تسوية مع استمرار عمليات قضم الارض وتهويدها.

* ان الامن الاسرائيلي سيبقى عرضة للاهتزاز بشكل دائم ما دام امن الفلسطينيين وارضهم عرضة لعدوان حكومة شارون وسياساتها.

* ان سياسة القوة القائمة على فوهة مدافع الدبابات والطائرات غير قادرة على تدمير الحلم الوطني الفلسطيني، وفرض تسوية اسرائيلية لا يستطيع احد من الفلسطينيين ان يتجرعها.

* تستطيع الادارة الاميركية القيام بدور حقيقي عندما تتخذ موقفا اكثر توازنا، وعندما تتخلص من الدمج بين عنف الاحتلال وبين مقاومة الشعب الفلسطيني، ووضع الامور في سلة واحدة.

* ان طريق السلام الحقيقي، وتسوية الشرعية الدولية، يتطلبان العودة لتغيير قواعد التفاوض بالانطلاق نحو البناء لتسوية جديدة اعمدتها الشرعية الدولية نحو البناء قولا وعملا، والوصول الى رزمة اتفاق شامل لكل عناصر وقضايا الحل، وتحت الرعاية الدولية، وعند ذلك يمكن وضع اجندة التنفيذ على مدى محدود، بديلا عن مساعي ائتلاف حكومة شارون الهادفة الى التوصل نحو اتفاق انتقالي طويل الامد.

وعلى الجانب الآخر، فان احزاب وقوى «اليسار الصهيوني العمالي» الاسرائيلية تعيش حالة ارباك واضحة في ظل المعمعة الدائرة، نتيجة فقدانها القدرة على رسم سياسات مستقلة وبعيدة عن التأثر بأجواء ومناخات اليمين داخل المجتمع اليهودي. فتصاعد الانتفاضة والفعل الفلسطيني المقاوم يقع عند حمائم حزب العمل عند تخوم دفع شارون للتطرف اكثر فأكثر نحو مواقع اليمين، بينما حقائق الواقع تقول بما لا يؤيد ما يذهب اليه حمائم حزب العمل. فالعنف يقع اولا عند دائرة شارون وسياسات الاجلاء وتهويد الارض والهروب من استحقاقات الشرعية الدولية، ومحاولة فرض تسوية منطق القوي على الضعيف.

* كاتب فلسطيني ـ دمشق