فوز حاسم لا يحسم

TT

رغم كثرة المرشحين، لا يبدو ان هناك اكثر من مرشح واحد في الانتخابات الايرانية بعد غد الجمعة. مرشحون كثيرون ونجم واحد. او فائز واحد. والفوز مضمون ليس لأن محمد خاتمي في الرئاسة، يملك القوة والسلطة والصناديق والارقام والنسب السحرية، بل لأن العكس تماماً هو الصحيح. فهو رجل يملك الاكثرية المطلقة لكنه لا يملك السلطة المطلقة. وهو يملك الناس والبرلمان لكنه لا يملك الحكم. وهو الفريق الاكثر شعبية بمسافات والاقل نفوذاً بفراسخ.

غيّر مجيء خاتمي الى الرئاسة في طبيعة النظام الايراني الثوري. فلم تعد الشراكة ضمن المحافظين وحدهم. وطرح مجيئه للمرة الاولى منذ 1979 وجود فريق آخر اتفق على تسميته الاصلاحيين لكي لا يسمى «الليبراليين» على الطريقة الغربية. مع العلم ان خاتمي الاستاذ كان يستخدم هذا التعبير عندما يحاضر في تلاميذه او حوارييه. وكانت الشراكة في الماضي بين المحافظين و«المعتدلين» محكومة بطريقة السيد هاشمي رفسنجاني في ادارة الاشياء ومواجهة المتغيرات. لكن فوز خاتمي بأكثرية شعبية مذهلة بدا كأنه ثورة داخل الثورة. لكن بدل ان يتحول التيار الخاتمي الى مؤسسة تدير السلطة من حوله، تحول الى فريق معرّض يومياً للمساءلة والمحاكمات والاعتقالات والسجون، واحيانآً للموت من دون محاكمة او سجن.

وبدا ان الخلاف بين تيار الرئيس ومعارضيه يتجاوز لعبة السلطة والحكم الى القضايا الجوهرية. وكادت حركة الاعتراض في جامعة طهران تتحول الى مواجهة دموية مطلقة. وبعد نزول «الحرس الثوري» الى حرم الجامعة بقوة هائلة بدا ان الرجل الاضعف في البلاد هو الرئيس المنتخب بأكثرية ساحقة. لكن خاتمي ترك العاصفة تدور من حوله. ثم تركها تنتهي وكأن المواجهة كانت مع سواه. وعالج محاولة دفعه الى حلبة الصراع، كما عالج مسألة رئيس بلدية طهران الذي حكم بالسجن، اي بالتصرف وكأن واقع الحال افضل من حسم الاحوال. وقيل ان خاتمي سوف «يبدأ» حكمه بعد انتخاب البرلمان الجديد وحصوله على الاكثرية النيابية. لكن رغم نتائج الانتخابات رأى ان اي حسم في ايران سوف يظل صعباً في وجود كل هذه القوى وكل هذه الفوارق.

ولفترة بدا ان السيد لن يخوض المعركة الرئاسية الحالية وانه سوف يخرج من الحياة السياسية لكي يعود الى حياة العلم والفكر. لكن يبدو انه رأى مرة اخرى ان خروجه سوف يعتبر تخلياً عن فريق كبير من الايرانيين الذين لا يزالون يرون فيه الحل الوسط بين الثورة والدولة، بين الماضي والمستقبل، بين الارث والنمو.

انها «اغرب» انتخابات ربما في العالم. الفائز الاكبر فيها ليس الفائز الاقوى. والمرشح الاوفر حظاً في الرعية ليس الاوفر حظاً في الحكم. ومع ذلك تظل الحلول الوسطية افضل من سواها.