عود إلى مقالب اللغة المشتركة غير المشتركة

TT

هذا ما كنت اتوقعه من مقالتي عن لغتنا المشتركة وما جرته وراءها من مقالب. وصلتني شتى التعقيبات والمساهمات، كان منها رسالة الأخ الفاضل هادي ابو عامرية من جدة. يقول: فاجأنا المدرسون المصريون بمفردات لغوية لا نعرفها، طلب احدهم من زميل في المدرسة قائلا، «خذ القلة واغسل بقها» يعني فمها. فأخذها الطالب وراح يبحث عن البق (البعوض) فيها. وحين استبدل المعلم المصري بآخر اردني، صرخ بأحد التلاميذ الذي لم يحسن تعليق الصحيفة المدرسية على الحائط قائلا له: ليش يا زلمة؟ «فصاح الطالب في وجهه «والله ما الزنمة الا انت وابوك» الزلمة في لهجة الاردن تعني الرجل والزنمة في لهجة تهامة الشخص الذي لا قيمة له تشبها بالزائدة في حلق العنز.

تم في ما بعد التعاقد مع معلمين عراقيين فوجدنا صعوبات في فهم بعض مفرداتهم. لاحظ احدهم ان تلميذا لم يستوعب شرحه فاستدعاه الى قرب السبورة واخذ يضرب بالعصا عليها ويقول له: «باوع هنانه» ظل التلميذ حائرا لا يدري ماذا يفعل والاستاذ يصيح به باوع هنانه! فكلمة باوع تعني في لهجة تهامة قياس الحبل او الثوب او خلافه بالباع، اي بطول الذراعين والصدر في حين تعني عند العراقيين «انظر». المطبات اللغوية بين التلاميذ والمعلمين شهيرة وكثيرة. اتذكر من اطرفها ما وقع بين معلم مصري وزميلي في الصف مؤيد ثنيان. لاحظ المعلم ان هذا التلميذ لم يكن منتبها للدرس فقال له: «انت مالك كده؟» فأجابه مؤيد «انا ما عندي خلق» ولكنه لفظ القاف بالكاف المعطشة على عادة العراقيين، وتعني هنا الصحة والمزاج فاستعمل المدرس السخرية المصرية جوابا عليه فقال: آ! ايوه! انا شايف ما عندكش خلق ولفظ القاف بالهمزة المصرية.

وقعت انا شخصيا مؤخرا بمقلب مشابه، عندما كنت افتش عن شقة في مدينة 6 اكتوبر قرب القاهرة، قالت لي احدى السيدات. هذه منطقة جيدة. ما فيهاش اي ناموس، قلت لها. هذا شيء رائع سأنتقل الى هناك بدون تردد.

الناموس عند المصريين يعني البعوض وعند العراقيين الشرف والاخلاق.

ولكن للبعوض اسما آخر في السودان على ما يروي الدكتور عبد الكريم العمدة من المدينة المنورة. يقول انه عندما كان في واد مدني سمع بعد افطار رمضان وهطول بعض المطر جلس في حوش منزله فسمع جاره الدكتور بشرى يدعو الله بصوت مرتفع ان يطلق سراح الشياطين في رمضان. يقصد بذلك البعوض.

الظاهر يا دكتور ان البعوض اصبح الحزب الوحيد الذي يؤمن ويطبق الوحدة العربية. الا ترى كيف انتشر من السودان الى مصر الى المملكة العربية السعودية الى العراق، لا يعترف بالحدود ولا بجواز السفر ولا بسمات الدخول والخروج. آه لو قبلني البعوض كواحد منهم.