ضرب أبوي!

TT

إننا نغضب ونتأثر ونحزن حينما نسمع عن مخالفة يرتكبها حارس أو أكثر من حراس السجون في السعودية مهما كانت بسيطة ومحدودة وفردية لأننا مجتمع يتسم بالتعاطف، وينفر من الغلظة، ويكره الاعتداء، ولأننا نثق أن هذا الأسلوب مرفوض ومستــهجن ومستنكر من قبل القيــادة الأمنيــة في البــلاد ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وكان ذلك ولا يزال مصدر فخر لنا..

ولتأكيد ذلك التوجه جاءت استجابة وزارة الداخلية السعودية سريعة بإيقاف حارسين من حراس أحد السجون وإحالتهما إلى التحقيق فور إطلاع المسؤولين على صور فيديو التقطت بواسطة هواتف جوالة، ونشرت في مواقع على الإنترنت خلال الأيام الماضية، وقد أظهرت حارسا وهو يضرب اثنين من السجناء، يساعده آخر في الضرب..

لكن ما لفت نظري في خبر بثته وكالة «رويترز» قال فيه مدير عام السجون بوزارة الداخلية علي الحارثي: «إن الحارسين كانا يفعلان ذلك كنوع من العقاب الأبوي مثلما يفعل المدرسون في المدارس»، مؤكدا إيقاف الحارسين عن العمل وإجراء تحقيق في الواقعة. إلا أن قوله: «كانا يفعلان ذلك كنوع من العقاب الأبوي» يحمل إشارات مربكة لها إيحاءات التبسيط والتهوين، وكنا ننتظر منه تصريحا أكثر حزما وحسما وصرامة تجاه هذه السلوكيات مهما صغر شأنها لكي يمنع حدوث الأسوأ مستقبلا، خاصة أن أسباب الضرب غير مبررة، فأن يطلب السجينان سجائر من الحراس وهما في منطقة من السجن غير مسموح فيها بالتدخين لا تشكل سببا كافيا لتنفيذ هذه العقوبة..

وهذا لا يمنع من إنصاف مدير عام السجون علي الحارثي بأنه رجل صاحب رؤية عصرية وواعية لفلسفة السجون وغاياتها، وقد استطاع أن يرتقي بالوسائل الإصلاحية داخل السجون، وله أفكاره الناضجة، ومنها مناداته باستبدال عقوبات السجن ببعض الخدمات الاجتماعية الهادفة، وقد شهدت السجون خلال إدارته الكثير من التحديث والتطوير في أساليب الأداء ومراعاة الحاجات الإنسانية للسجناء.. ونحن على ثقة بأن مثل هذه المخالفة التي ارتكبها حارسان بالسجن لا تتجاوز أن تكون سلوكا فرديا في كل الأحوال، وسيكون في عقوبتهما ردعا وضمانا لعدم تكرار مثل هذه الممارسات.