صفحات وكتب

TT

التاريخ القصصي بات من أشهر الأساليب الناجحة في عالم الرواية، وهو يعتمد على خلفية تاريخية حقيقية، يضاف لها أبطال وقصة من عالم الخيال. والكاتب الأمريكي دان براون، يثبت هذه المقولة في كتبه الشهيرة مثل «شيفرة دافنشي» و«ملائكة وشياطين» مع عدم اغفال طبعا المحاولات المشهورة للكاتب الكبير أمين معلوف، ورواياته الذائعة الصيت مثل «ليو الأفريقي» و«حدائق النور» و«سمرقند» و«سلالم من الشرق».

ومؤخرا صدرت رواية عربية لافتة وجديرة بالاهتمام، وفيها ذات النكهة و«الطبخة» والحبكة، فهي ايضا تعتمد على خلفية تاريخية صحفية، وتدخل فيها قصة منسوجة بمهارة وتشويق. والقصة هي «حكومة الظل» للمؤلف والطبيب منذر القباني، وتدور أحداث هذه القصة عبر «زمنية» المعاصر والماضي واستعراض لوثائق والغاز وطلاسم سقوط الخلافة العثمانية، ودور يهود الدولة فيها وتحديدا عناصر حزب التحدي والترقي، وأحداث ووقائع الرواية تدور بشكل بوليسي ومشوق بين القاهرة واسطنبول والمغرب والرياض، مقدمة وجبة دسمة للقارئ عن أحداث تاريخية مضت من دون أجوبة شافية لها. والحقيقة أن العالم العربي مليء بالكثير من الالغاز والقصص غير المنتهية، سواء أكانت من التاريخ المعاصر أو من الماضي السحيق.

هل انتحر عبد الحكيم عامر أم تمت تصفيته، قصة بحاجة أن تروى بصورة محبوكة، ولم تقدم بعد بالقدر المطلوب. كيف اختفى موسى الصدر بين بيروت وطرابلس وروما في مثلث هو أقرب لمثلث برمودا! هي الأخرى قصة مثيرة وغامضة لم ترو كما يجب، وهناك بطبيعة الحال قصة تسميم وتدهور صحة، ومن ثم وفاة ياسر عرفات في ظروف مريبة وغامضة. قدرة هذا النوع من الروايات في «تحدي» الفرضيات المقدمة للقصص والروايات والموروثات التاريخية باتت معروفة، وهي تقدم وسائل مستجدة للتفكير بشكل مغاير فيما يطرح. براعة الأدب دائما تقدم الملحمات الكبرى لتظهر واقع الحروب ومآسيها، كما فعل ذلك ليو تلستوي في رائعته «الحرب والسلام»، وكذلك قدم الفذ غابريال ماركيز، تشريحا لمجتمعات أمريكا الجنوبية في «مائة عام من العزلة»، وفند ألان باتون حال التفرقة العنصرية ونظامها المقيت في جنوب أفريقيا في روايته المذهلة «أبكي البلد الحبيب»، والكاتب الهندي سلمان رشدي سطر تفاصيل استقلال الهند عن بريطانيا العظمى في ملحمة روائية هائلة «أطفال منتصف الليل». لا يزال تعاطي العرب مع الأدب والفنون تعاطيا ترفيهيا، من دون ادراك للمغازي والقيم المضافة لهذا الشأن الهائل، فانحصرت عناصر التفاعل بشكل سطحي ومبسط، وانحصرت بالتالي معظم الفعاليات الأدبية ومسابقاتها على الشعر والروايات «البسيطة» والتجارية من دون تشجيع على الاقدام على التجارب التي بامكانها أن تصنع الفرق وتقدمه. ولم تقتصر الحركة المتطورة على مجال الأدب المكتوب فقط، بل طالت وبقوة شديدة مجالات السينما بشتى أشكالها، سواء أكان ذلك في اطار الفيلم التقليدي أو الوثائقي ايضا. عربيا الكلمة المكتوبة المروية والصورة المشاهدة المروية، بحاجة لنقلة قوية وجادة لإحداث «الفرق» المطلوب في مجتمعات أصابتها التخمة والملل والتكلس.