العراق والتواصل العربي

TT

شكلت القمة العربية في الرياض في تفاعلها مع الوضع في العراق معلماً مهما يمكن البدء منه وتطويره لوضع علاقة العراق وأشقائه العرب في المنزلة التي يستحقها العراق والمكانة التي للعرب في قلوب العراقيين من روابط الدم والتاريخ وهموم وآمال مشتركة.

وقد ثمّن العراق عالياً هذا التوجه العربي بقرار زيارة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي للشقيقة العزيزة مصر والأشقاء في دول مجلس التعاون، وكذلك قرار الحكومة العراقية باختيار مصر مكاناً لعقد مؤتمر العهد الدولي، وكذلك مؤتمر دول الجوار كرسالةٍ جوابية بالغة تحمل معاني الرغبة الصادقة لتطوير هذا التوجه ودعمه وتقويته ليكون العراق فاعلا في محيطه الإقليمي وليس مصدراً للقلق والتهديد والتوتر الذي حكم علاقاته مع جيرانه طيلة الخمسين عاماً الماضية، وسيحمل السيد المالكي هذا التوجه للأشقاء العرب الذين سيلتقيهم.

هناك مصلحة عربية لتشجيع العراق على الانسجام مع دول الجوار العربي ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي، وهناك مصلحة في خلق حالة استقرار وأمن يتوافق عليها الجميع، فليس من مصلحة العرب أن يغرق العراق في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، لأنه سيشكل حاضنة للإرهاب الذي يستهدف شعوب المنطقة بفكرٍ تدميري يمثل خطراً استراتيجيا لا يزال البعض يعتقد أنه بمأمنٍ منه، وللأسف فان تقدير عظم هذا الخطر يوفر للإرهاب فرصة النفاذ والاختراق ليقوى عوده ويشتد، ولعل القلق من تفسير العلاقة بين إيران وشيعة العراق يخلق تبايناً في النظر الى تقدير خطر الإرهاب، ومع الاعتراف بالحاجة الى المصارحة بتعريف هذه العلاقة من قبل العراقيين لإطفاء القلق العربي وتفهم واستماع عربي مباشرة من أصحاب العلاقة وليس من أشخاص أو جماعات لا يحرصون على نقل الصورة الحقيقية بأمانة ودقة بعيداً عن التضخيم وعن الواقع ولا يحيط بكل الصورة، ومع الإقرار بأن سلوك وتصرفات ايران وتأثيرها في العراق محكوم بعلاقتها مع الولايات المتحدة وكذلك بالدول العربية، فإن هذا التأثير يتضاءل كلما اقترب العرب من العراقيين وتواصلوا معهم، وكلما تحسنت علاقات ايران بالولايات المتحدة، ولن تستطيع الولايات المتحدة ولا العرب أن يحدّوا من تأثير النفوذ الإيراني في العراق، والعراقيون والشيعة منهم بالذات هم من يستطيع ذلك فيما لو أحسن العرب التعامل مع تطلعاتهم ببناء عراق ديمقراطي مستقل يتشارك فيه الجميع برؤية وطنية تبتعد عن الطائفية التي تشكل خطرا على النسيج الاجتماعي.

ومن المناسب أن نتذكر أن 27 عاماً من عمر الثورة في إيران والتي كانت أغلبها حرباً واحتواء مزدوجا ومقاطعة وريبة في العلاقة معها، لم تمنع استقرار نظامها وتطوير قدراتها ومواردها حتى وصلت لتهديد نووي يقلق الجميع وبات يطرح أسئلة مشروعة عن نوايا إيران المستقبلية، لذلك فان هذه السياسة تحتاج لإعادة نظر من جديد لصياغة وبلورة مشتركات تسهم في استقرار إقليمي يستفيد منه الجميع، ومن المناسب القول أيضا إن هناك اختلافا جوهريا في النظر الى نظرية الحكم من منظورها الديني بين إيران وشيعة العراق لم يحاول العرب الاستفادة منه لإطفاء القلق العربي.

ومن المناسب أيضا القول إن تطوير مشاريع مشتركة في دول الهلال الخصيب ومجلس التعاون سيُخرج العلاقات الى آفاق جديدة بعيدة عن الارتهان للتفسيرات الأيديولوجية ـ التي انكفأت في إيران نفسها ـ ويشجع المنطقة على الخروج من أسر السياسة لأفق اقتصادي واعد يحتاجه العراق وكذلك المنطقة في تطوير حقول نفطية وغازية مشتركة مع الكويت وإيران وسوريا والسعودية وخطوط أنابيب نفط وغاز وشبكة ربط كهربائي وتجارة ترانزيت هائلة عبر المتوسط والخليج وإيران وسلع وخدمات وسياحة دينية ومنتجعات في كردستان تحقق فرص عمل لا حدود لها تعطي أملا برفاه ومستقبل واعد لشعوب المنطقة، أعتقد أن هذه النظرة ستُخرجنا جميعاً من قيود التاريخ وإرثه ومشاكل الجغرافيا لتتواصل المنطقة بروح الترابط الاقتصادي الذي يذوّب الكثير من الجليد.

* الناطق الرسمي

للحكومة العراقية