من يحمي الناس من كبار «اللصوص»؟

TT

آلاف من عامة الناس وقعوا ضحايا لمساهمات وعقارات وشركات نفذت في معظمها في العلن، وكان السؤال، ولا يزال، ما هو دور الحكومة إن كانت لا تشرع القوانين التي تحميهم، وإن فعلت فإنها لا تتحرك لمعاقبة المخالفين؟ القناعة السائدة أن كبار المخالفين، وهم في اللغة الأصلية 

لصوص، يستمتعون بالحماية، بخلاف صغار الحرامية الذين تقطع أيديهم.

هناك مئات آلاف من الذين وضعوا ثقتهم في الرعاية الرسمية للنشاط الاقتصادي ووضعوا مدخراتهم أمانة في مشاريع ضخمة عقارية وأسهم وغيرها، وهم حتى هذا اليوم لم تسترجع حقوقهم ولم يعاقب «اللصوص» الذين ينعمون بمليارات الدولارات.

وقد سمعت مبررات من بينها أن النظام لا يحمي المغفلين، وهذا صحيح لو ان النظام موجود أو واضح ويدرس للناس. ثم إن النظام لا يحمي المغفلين من المساهمين، لكنه يسكت على بعض المحتالين ممن يخالفون الأنظمة. وهنا يجب تحميل المؤسسات التنظيمية والرقابية المسؤولية لعجزها عن التنظيم، أو الحماية المبكرة، أو تطبيق العقوبة متأخرة بجلب المخالفين مهما علا شأنهم الى القضاء ومحاسبتهم.

فالتردد والتسويف في تطبيق الأنظمة يضر أولاً بالدولة، حيث يهدم ثقة الجميع في أنظمتها التي تنتهك بأرقام مالية ضخمة وبأعداد كبيرة من آلاف المواطنين وفي وضح النهار، في حين تستهلك أموال الدولة في ملاحقة بضعة لصوص يتسلقون بضعة جدران في الليل.

هذا ما يحدث في دول الخليج التي لها تجربة قديمة نسبية في نشاط السوق الاقتصادي الاستثماري المفتوح، وكانت أول أخطائها الكبيرة في سوق المناخ الكويتي في أواخر الثمانينات. وفي السعودية ارتكبت جرائم لعشرات المساهمات العقارية التي أفلح تجارها في نهب مليارات الريالات على مدى عقد ونصف العقد وفي حالات قليلة أودع أصحابها السجن لعجزهم عن التسديد لمساهميهم، فيما أفلتت البقية، وهي تنعم بثروات جديدة من دون مساءلة أو محاسبة أمام أنظار ملايين المواطنين. نحن نتحدث عن الاقتصاد النظامي، عدا عن النشاطات غير الشرعية التي تبيع مساهمات اقتصادية غير مرخصة تقدر بملايين الدولارات أيضا.

أعتقد أن على المشرعين والتنفيذيين أن يعرفوا أن الخطورة ليست في سرقة عشرات الملايين من الدولارات بغير حق، ولا ظلم الناس، ولا تخريب حياة آلاف من البيوت، بل إضافة الى هذا كله تخريب النظام وزعزعة القناعة فيه، وهو الذي يقوم أولاً على ثقة الناس فيه واعتباره حاميهم.

من أجل حماية النظام يجب جلب كل المخالفين الذين تورطوا في مساهمات عقارية وتجارية أخرى ومحاكمتهم، وإيداعهم السجن إن كانوا مخالفين، وإلزامهم برد أموال الناس. وما فعله المشرعون الأميركيون في ملاحقة شركة انرون العملاقة لم يكن حماية لحقوق المساهمين بل حماية للنظام نفسه الذي سارع الى محاكمة بثت على الملأ وأودع السجن شخصيات اقتصادية كبيرة.

[email protected]