هم ونحن والرومانس

TT

سألني زوجي عن سر اهتمام المرأة بالحب والرومانس، فأجبته بأن المرأة تاريخيا كانت تقضي اوقاتا طويلة في حالة فراغ يسمح باطلاق العنان للاحلام، فتظل في حالة انتظار إلى ان يأتي من يختارها. بيد انه اصر على ان المرأة هي التي تختار الرجل وليس العكس، لأن المرأة غريزيا مبرمجة على البحث عن افضل نموذج من الجنس الاخر تتوسم فيه القدرة على توفير احتياجاتها البيولوجية من قوة تجعله قادرا على الانجاب وقادرا على حماية الاسرة وتوفير الطعام. وأنها حين تصادفه لا تتركه الا وقد قدم لها مفاتيح امبراطوريتها الصغيرة.

ورغم ان الكلام فيه جانب من الصحة، تذكرت ان اشهر شعراء العالم ممن كتبوا عن الحب والرومانس كانوا رجالا لا نساء، وان اشهر قصص الحب التي باتت جزءا من التراث الثقافي الانساني وصلت الينا كدليل على نبل المشاعر الانسانية التي تجمع بين رجل وامرأة بالقدر نفسه. وان ليلى بالقطع لم تفضل قيساً لأنه عريض المنكبين، أو لأنه ذو مال. وهل يعقل ان جولييت فضلت روميو لأنه كان يلبس الحرير او يمكنه اقتناص فريسة برمية سهم واحد؟

المهم هو انني قررت البحث عن اصول الحب الرومانسي، وأدهشني ما اكتشفت. اكتشفت مثلا ان التاريخ الثقافي الغربي يزعم بأن الحب الرومانسي كان تطورا غربيا بدأه شعراء التروبادور في القرنين الثالث والرابع عشر في الجنوب الفرنسي. ونسي المؤرخون ان لفظة تروبادور هي تحريف للفظة طرب العربية وان افتتان الغرب بالحب الرومانسي هو موروث ثقافي انتقل الى الغرب نتيجة لتماس الحضارات في غضون وأعقاب الحروب الصليبية.

فالحب بأنواعه يظهر بقوة في الشعر الجاهلي ثم يتراجع في الشعر الاسلامي ليعود بعد التعديل والتهذيب بحيث يسبغ الشاعر على المحبوبة صفات الكمال الروحي، الذي يجعل حبه لها جزءا من شكر الله على حسن خلقه. وبذلك اصبح الشعر الرومانسي تقليدا ادبيا وسياقا. ولا شك ان ملاحم الحب التي ظهرت في الادب الغربي في العصور الوسطى شديدة الشبه بنظائرها وسابقاتها في الشعر العربي. والغريب هو الا يذكر التاريخ الثقافي الغربي تأثر شعراء الغرب بشعراء العرب حين كتبوا ملاحم الحب والرومانس، مثل ارثر وجوينيفير وتريستان وايسولدة وروميو وجولييت. فقد سبقهم الشاعر العربي بقصة ليلى والمجنون، وهي رواية شعرية تتضمن كافة العناصر التي تميز رومانسيات الشعر الانجليزي في العصور الوسطى: الحب الممنوع المرغوب، والصورة المثالية للمحبوبة، وهزال المحب وقلقه وشروده والتيه الذي يؤدي الى الموت او الجنون.

ولا يخفى على الباحث في تاريخ الثقافات ان اشعار اوفيد الخاصة بالحب تنصب اساسا على متعة الحب الحسية، بينما تظهر العناصر الروحانية بوضوح في حب دانتي لبياتريس. ودانتي هو صاحب الكوميديا الالهية التي اصبحت عمدا من اعمدة التاريخ الادبي الاوروبي. ولا يخفى عليهم أيضا مدى تأثر دانتي بشعر ابي العلاء المعري.

وفي الاندلس كتب ابن حزم «طوق الحمامة» وجمع فيه عناصر البحث الاكاديمي والسرد القصصي والبوح والشعر بحثا عن معاني الحب فانتقل فكره الى الغرب عن طريق الاندلس.

في ظل عدد الاغاني والأفلام والكتب والمجلات وأغاني البوب والمسرحيات واللوحات التي تعكس انشغال الثقافة الغربية بالحب الرومانسي لا نخطئ حين نفترض ان ما صدر العرب للغرب لم يكن ثقافة ارهاب. فمن أكثر من الف عام صدرنا لهم الى جانب مكارم الاخلاق علوم الطب والفلك والمعمار والرياضيات وثقافة الحب والسمو بالعلاقة بين الرجل والمرأة الى عنصرها الأفضل والأكمل.