تعددية الجزائر تعزيز لوحدتها

TT

من المتوقع ان يطلع الجزائريون في الايام القليلة المقبلة على نتائج التحقيق الرئاسي في الاحداث المأساوية الاخيرة التي وقعت في ولايتي تيزي وزو وبجاية، وهما الولايتان اللتان تمثل فيهما القبائل اغلبية السكان، ولا تزالان تحاولان الإفاقة من صدمة الاحداث التي راح ضحيتها اكثر من 80 شخصا في الشهر الماضي.

تلك الاحداث المأساوية حاولت بعض الدوائر ان تستغلها لإحياء مخطط استعماري قديم لتقسيم الجزائر الى ثلاث او حتى خمس دويلات صغيرة. وقد ظهرت هذه الخطة اواخر الخمسينات، وتم التخلي عنها في الستينات عندما اتضح بجلاء ان الشعب الجزائري، وهو يناضل من اجل استقلاله من الاستعمار الفرنسي، سيقاوم اية محاولة لتقسيم بلاده من قبل المستعمِرين. ومع ذلك فان المحاولات لفصل الجزء الصحراوي استمرت لمدة عامين تقريبا. ولكن وحدة الشعب المتينة قتلت المحاولة في مهدها.

اولئك الذين يعاودهم الحنين لمحاولات التقسيم الاستعمارية ظلوا يتعاملون مع الجزائر كحفنة من الدول المتباينة بدلا من النظر اليها كدولة قومية واحدة. وقد حاولوا استغلال التكوين التعددي للجزائر بإشعال العداوات بين البربر، الذين يتحدثون القبائلية واللهجات البربرية الاخرى، اضافة الى اللغة العربية الاكثر رواجا. وقد رفع بعض السياسيين المحليين الراية القبلية لخدمة اهداف شخصية او حزبية. وفي بعض الحالات ادت سياسات الانطواء القبلي الى نزاعات مسلحة وصدامات دموية، خاصة في تلك المناطق التي تسود فيها تلك النزعات. وهناك حتى اليوم اصوات معزولة تريد للجزائر ان تكرر تجارب بعض الدول الاخرى، وخاصة في منطقة البلقان، حيث ادت السياسات التي تسعِّر العداوات القبلية الى كوارث محققة.

والواقع ان الهوية الوطنية تتعلق اساسا بالمشاعر. وفي هذا الاطار فان الهوية الوطنية الجزائرية تعتبر من اقوى الهويات في العالم. فلا يوجد جزائري واحد، او جزائرية واحدة، لا يعتبر نفسه جزائريا اولا، واي شيء آخر ثانيا. ان التعددية الاثنية واللغوية والثقافية هي احدى مصادر القوة للجزائر وليس العكس. انها تمكِّن هذه الامة الشمال ـ افريقية من احتلال مكانها بين دول البحر الأبيض المتوسط، التي ظلت جزءا منها على الدوام، في نفس الوقت الذي تحافظ فيه على روابط متعددة الاوجه والمستويات مع المشرق العربي وافريقيا.

ان ما يتفرد به الجزائري هو شعوره بالانتماء في اي مكان يحل به، ومقدرته على التواصل مع ثقافات عديدة حيثما كان. اما اولئك الذين لا يعترفون بأي من اجزاء الهوية الجزائرية، فانما يخطئون خطأ عظيما. وربما يغيب عنهم ان الجزائر على درجة من النضج والشجاعة، كما انها تملك المؤسسات، التي تمكنها من احتضان كل عوامل تعددها والتعبير عنها في حياتها السياسية.