أحبكم جميعا

TT

ماذا أقول لك يا أعز الناس، فما أقدمت عليه هو من أكثر الأفعال أنانية في حياتي، إنني لا أقوى على احتمال الحياة بعد الآن.. أحبكم جميعاً، ولكنني لا أحب نفسي.

لست أنا من قال هذا الكلام، ولكنها امرأة كتبت ذلك لزوجها قبل أن تنتحر، وتركت المسكين يذرف دموعه ثم يجففها ثم يذرفها مع أربعة من الأطفال.

إنها مأساة أليس كذلك؟! طبعاً هي مأساة بكل المقاييس.

ولكن لماذا ينتحر الناس؟! هل الحياة مؤلمة ومخيفة إلى هذه الدرجة؟! (نعم ولا) في آن واحد، مشكلة الحياة أنها (غامضة ومتربصة) في نفس الوقت رغم حلاوتها وجمالها، كما أنها ليست عادلة بما فيه الكفاية وهذه هي المأساة، إنها تعطيك بيدها اليمنى ثم تسلبه منك بغمضة عين بيدها اليسرى، تفتح أمامك الباب على مصراعيه لتخرج للشمس والهواء الطلق مبتهجاً، وما أن تخطو عدة خطوات إلاّ وتهوي في حفرة ليس لها قاع.

ليس هناك عالم متناقض أكثر من عالم البشر، انه عالم يضج بفرقعة الضحكات، وهو في نفس الوقت يتفجّر بشلالات الدموع.

ولا ادري هل لهذا السبب ينتحر بعض الناس، وكذلك بعض الحيوانات والحشرات والأسماك والطيور والنباتات وكذلك الجراثيم؟!

هل الحياة ورطة؟! هل هي كذبة؟! هل هي خديعة؟! هل هي مزحة؟! هل هي اختبار وبلوى وفي النهاية هي فجيعة؟!

لا ادري.. إنني لا ادري، والحمد لله انني لا ادري، لأنني لو كنت ادري لكنت من أول المنتحرين الذين يتساقطون يومياً في كل أنحاء العالم. إن المنتحرين في اليابان فقط هم أكثر من (30 ألفاً) سنوياً، وفي أمريكا أكثر من (70 ألفاً) سنوياً ـ أي أكثر مما قتل من جنودها في العراق خلال أربعة أعوام عشرين مرّة ـ لهذا وضعوا ما لا يقل عن (325) تليفوناً مركزياً تعمل طوال (24) ساعة، ليتصل من خلالها اليائس من الحياة بأطباء نفسانيين ليقنعوه بالعدول عن الانتحار، وترده شهرياً أكثر من ثلاثة آلاف مكالمة، وقد قدر أن عدد من حاولوا أو فكروا بالانتحار في أمريكا العام السابق بأكثر من (700 ألف) رجل وامرأة وكذلك أطفال، وهذه هي الكارثة المركبة.

وبما أننا في هذا الصدد (المبهج)، فلا بد ان اروي لكم حادثة وقعت لي قبل عدّة سنوات، حينما ذهبت إلى النمسا، واتصلت بأحد الأصدقاء العرب وكان مقيماً هناك إقامة دائمة، ومن هواياته السخيفة هي تسلق الجبال، وأخذني معه لنصعد لمشاهدة إحدى القلاع الأثرية، وفعلاً صعدنا بعد جهد جهيد كبقية الصاعدين، ولكن عندما انتهينا من المشاهدة، وبدأنا بالهبوط، وعندما رأيت الأرض المنبسطة كيف أنها بعيدة جداً عني، أصابني ما يشبه (الكساح)، ولم استطع أن أتقدم ولا أتأخر خطوة، كنت على حافة الهاوية، وصديقي يحثني على الشجاعة والنزول، وأنا ارتجف وكل ما كنت أقول له: أرجوك اطلب طائرة (هليكوبتر) لتنقذني، وقد لفت منظري البائس أعدادا من المتسلقين الذين توقفوا، معتقدين أنني انوي الانتحار، وحاول بعضهم أن يأخذوا بيدي وهم يحدثونني بالألمانية، وبعضهم بالفرنسية، وبعضهم بالإنجليزية، ولقد مكثت على هذه الحالة المزرية أكثر من ساعة كاملة، ولولا أنني شعرت (بالحصر) لما واتتني الشجاعة ونزلت، ولكنت إلى الآن واقفاً مرتعداً على حافة الهاوية.

[email protected]