متعتي في رسائل القراء!

TT

ربما كنت أكثر الناس إدمانا لرسائل القراء في كل الصحف التي أقرؤها. وأنا أحرص عليها أكثر من حرصي على المقالات في كل الصحف العربية، وأجد في ذلك متعة مؤكدة، وأندهش لما يخطر على بال القراء ولا يخطر على بال الكتاب، ومدى حساسية القراء لكل ما هو دين وجنس، ويذهبون في ذلك الى أبعد من خيال أكثر الأقلام حرصا. وقديما قالها فولتير من مئات السنين: أعطني أكثر الكتاب حرصا وأنا أستطيع أن أستخرج مما كتب معنى يذهب به الى المشنقة!

فما بالك إذا لم يكن الكاتب هذا الحريص الذي يمشي على الحبل ولا يهتز وإذا اهتز لا يقع وإذا وقع فليس في أحضان أحد من الناس!

ولكن توقفت طويلا عند تعليقات القراء وتمنيت لو أستطيع أن أرد على الذي قالوه عني وعن غيري، وأن أصحح الأخطاء التي وقعت فيها.. ولكن عدم تصحيح هذه الأخطاء يعطي القارئ شعورا بالرضى: فقد أخطأ الكاتب وأصاب القارئ.. ويسعد القارئ أيضا أنه أسكت الكاتب وألقى عليه حجرا وفضحه بين الناس. فليس الكبير كبيرا جدا، وليس الصغير صغيرا.

وأنا أختلف عن كثير جدا من الكتاب الذين أعرفهم، فهم يتجاهلون رأي القراء. أما أنا فلا. بل أضع علامات تحت السطور وأنقل ما قالوه. وعندي أمل في أن أجد شكلا مناسبا لهذه الآراء والتعليق عليها. وكثير من الآراء جيدة وأسلوبها ممتع وإطراؤها جميل ونقدها عنيف. ولكنها آراء تستحق عظيم الاحترام.

ولا أنسى ولن أنسى قارئا أوجعني، فقد كنت أبكي على مرض زوجتي. وأبكيت الناس في مصر علينا. فتلقيت رسالة من قارئ يقول فيها: احمد ربنا أنك تجد العلاج وأن العلاج في باريس وأنك تستطيع أن تشكو وأن تجد من يسمعك ومن يبكي معك عليك.. أما نحن.. الخ.

وقارئ كتب يقول إنني أكرر نفسي. وأنا أرد عليه: نعم كثيرا.. فعندي آراء ونظريات أحرص دائما على شرحها وإثبات صحتها. وأعيد وأزيد وأوضحها. فعندي شعور قديم بأنني مثل كل دارس للفلسفة تجتاحني تعبيرات أكاديمية غامضة.. ولذلك أقول وأعيد في تبسيط وتوضيح نفسي ولا أجد حرجا. فأنا أريد أن أكون مفهوما لأقل الناس ثقافة!