سمعة في السرايا الصفراء

TT

ابريل لم يعد أقسى الشهور كما قال اليوت في الأرض اليباب، فاكتوبر كما يبدو سيكون الشهر القاسي الذي يسيء الى سمعة ذلك الشاعر الكبير من خلال كتاب عن زوجته الأولى فيفيان أعدته الباحثة كارول سيمور جونز بعد ان سمحت لها مكتبة بودليان باكسفورد بالاطلاع على اوراق تلك الزوجة التي تراها المؤلفة مظلومة لأنها انتهت في مستشفى المجانين من دون وجه حق كما قال شقيقها الذي اتخذ مع الشاعر قرار ارسالها الى السرايا الصفراء.

والمصيبة ليست هنا بل في حياة اليوت الشخصية التي تنظر إليها كارول على ضوء جديد، فهي تعتقد ـ لا مؤاخذة ـ انه كان خولاً وان أشهر قصائده «الأرض اليباب» كتبت من أجل عشيقه الفرنسي جان فيردينال الذي كان اليوت يحبه حباً جماً.

واذا صدقنا مؤلفة كتاب زوجة اليوت، فإن ذلك الشاعر لم يعرف العلاقة الطبيعية إلا قبل وفاته بعدة سنوات حين تزوج من زوجته الثانية فاليري التي ظلت تحرس اوراقه بيقظة بالغة منذ وفاته عام 1965.

وقد كشفت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في اخر اعدادها عن تهمة اخرى يضمها ذلك الكتاب، فكارول سيمور جونز تعيد اتهام اليوت بمعاداة السامية، وهي تهمة وضع اركانها الأولى محامي الأميرة الراحلة ديانا انتوني يوليوس الذي اثبت من دراسة مفردات اليوت في قصائده الأولى انه لم يكن يحترم اليهود، ولا يحبهم.

ولو كان اليوت حياً امام هذه التهم الجسام لتذكر على الفور قوله في الأرض اليباب: I Will show you fear in handful of dust فما ظنه كلاماً يذروه الغبار يعود ليتحول الى قوة مخيفة على يد باحثة تخرجت بالتأكيد من احدى الجمعيات النسوية المتطرفة في نظرتها للرجل، وهؤلاء لا ينظرن في تاريخ كاتب أو شاعر أو فنان الا ويتحول بين ايديهن الى متوحش وخول ومضطرب نفسياً وعنده عقدة مزمنة تدفعه الى كراهية النساء.

ومن الآن والى ان يصدر ذلك الكتاب في اكتوبر المقبل ستتسلى الصحف بنشر تسريبات متقنة ومثيرة منه، ففيفيان الزوجة الأولى موضوع البحث كانت عضوا مع اليوت في حلقة (بلومز بري) الأدبية أشهر تجمعات مطلع القرن الماضي التي كانت تضم فرجينيا وولف التي كانت تسخر كما تظن المؤلفة من علاقة اليوت بتلك المرأة المضطربة التي وصفها الشاعر ذات يوم بالظل القلق، وهو التعبير الذي استخدمته المؤلفة لاشتقاق عنوان الكتاب.

ومهما كانت مصداقية التهم، فالأرجح الا تقلل من تأثير اليوت في بلاد تعود أهلها ان يفصلوا بين نص الشاعر وحياته الشخصية، وعليه، فإن التهمة الأخطر، كما يقول ريتشارد بروكز الذي تسربت اليه أول اخبار ذلك الكتاب المثير للجدل، هي التي تأتي من كتاب اخر وضعه اكاديمي هندي يتهم فيه اليوت بالسطو على مقاطع كاملة من بودلير والشعراء الرمزيين الفرنسيين.

لقد كانت حياة اليوت الشخصية شديدة السرية وما تزال بفضل زوجته الأخيرة الباقية على قيد الحياة، لكن لا احد يدري الى متى يستمر هذا الوضع، فكل حي الى زوال وعندها سيأتي اكثر من باحث أو باحثة لينصفوا اليوت من كاتبة سيرة زوجته الأولى أو ليؤكدوا تهمها، فالرجال صناديق مقفلة، واخلاق الانسان ومهما بالغ في اخفائها لا بد ان تأتي ظروف تكشفها على حد زعم شاعرنا العربي:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة وان خالها تخفى على الناس تعلم ومن الآن وإلى ان نعلم «الخليقة» الحقيقية لاليوت سيظل كما شعره من اكثر الشعراء تعقيداً وغموضاً وايغالاً في السرية والكتمان.