أميركا وأوروبا.. حاجة متبادلة ومصلحة مشتركة

TT

في نهاية الشهر الجاري يشارك الرئيس بوش في اجتماعات حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي، واللقاء بالرئيس فلاديمير بوتين. ومن المتوقع ان يواجه الرئيس بوش بعض الخلافات، كما حدث لوزير خارجيته أخيراً. فالمعروف عن الأوروبيين انهم يختلفون مع بعضهم البعض خلافات عنيفة في بعض الاحيان. وليس من الممكن ان تواجه الأوروبيين كسياسيين مواجهة مباشرة، او عيناً الى عين، الا اذا كنت درويشاً يدور حول ذاته باستمرار.

المواضيع الرئيسة في اوروبا ستكون هي الحد من انتشار الأسلحة، الأمن الاقليمي (وخاصة في البلقان) والبيئة. وسيكون السؤال الأساسي في كل قضية: هل تستطيع ادارة بوش ان تعمل مع الحلفاء الاوروبيين؟ والى اي مدى؟ بالنسبة للحد من انتشار الأسلحة، لجأ الرؤساء السابقون الى وسائل عديدة لمجابهة الأخطار التي تمثلها اسلحة الدمار الشامل. وقد اشتملت استراتيجية الرئيس كلينتون على الردع، الحد من الانتشار، الجهود لاحاطة المواد والخبرات النووية للاتحاد السوفييتي السابق ببعض الضمانات، التفاوض حول الصواريخ مع كوريا الشمالية، والعقوبات ضد اقطار مثل العراق وايران، مزيد من الاستثمارات لمكافحة الارهاب، واتخاذ بعض الخطوات لتطوير نظام محدود للدفاع الصاروخي القومي.

حتى الآن، ركز الرئيس بوش على اداة واحدة هي الدفاع الصاروخي لمجابهة الخطر المفرد والضيق، الذي تمثله الصواريخ. وفي الأسابيع الاخيرة بدأ مبعوثوه مشاورات مع رصفائهم الأوروبيين حول الدفاع الصاروخي.

واستناداً الى المحادثات الشخصية التي اجريتها مع المسؤولين الأوروبيين، اعرف ان الكثيرين منهم يؤمنون بفعالية الردع، وتنتابهم الشكوك حول مدى الخطر الذي تمثله الصواريخ التي تملكها أمم مثل كوريا الشمالية وايران. وهم يخشون من ان اقدام الادارة على نشر دفاعات صاروخية واسعة المدى، سيؤدي الى نشوب دورة جديدة من سباق التسلح مع الصين، كما سيؤدي الى انهيار التعاون مع روسيا.

اذا كانت الادارة راغبة فعلاً في الوصول الى اتفاق شامل حول الدفاع الصاروخي، فان على بوش ان يبدأ باستئناف المفاوضات مع كوريا الشمالية وفق شروط مناسبة، وان يطرح مشروعه الأوسع بصورة تتصدى للأخطار المستجدة، دون ان تجدد او تفاقم الاخطار القديمة.

خلال العام الاخير من ادارة كلينتون، احرزنا بعض التقدم في الوصول الى اتفاق مع روسيا، يتم بمقتضاه تخفيض مخزوناتنا النووية، وتعديل اتفاقية الحد من انتشار الصواريخ البالستية بحيث تسمح بالدفاع ضد الصواريخ التي يمكن ان يطلقها الارهابيون او الدول المارقة.

في النهاية قررت روسيا ان تنتظر مجيء ادارة جديدة قبل ان تلتزم باتفاق محدد. وسيشخص العالم بأبصاره نحو قمة بوش ـ بوتين، ليرى ما اذا كان مثل هذا الاتفاق العميم الفائدة، سيتم التوصل اليه، واذا لم يحدث ذلك، من هو المسؤول عن الفشل؟

اثناء وجوده بأوروبا سيتمكن بوش من توضيح موقفه من حلف الناتو ومن الأمن الاقليمي بصورة أدق. وكانت ادارة كلينتون قد لعبت دوراً مبادراً في اتجاه توسيع الحلف واصلاح شأنه للاضطلاع بمزيد من المهام. ان ابواب الناتو يجب ان تظل مفتوحة، وان يتمكن كل قطر اوروبي يستوفي الشروط من ولوج تلك الأبواب ونيل العضوية.

ان على الحلف ان يتأقلم مع الهوية الأمنية الاوروبية الجديدة. فلا يمكن القول حالياً ان هناك تطابقاً بين الأمن الاوروبي والناتو. وقد كشفت الحرب في كوسوفو كثيراً من الثغرات في القوات المسلحة الأوروبية. وكاستجابة لهذا الواقع يخطط الاتحاد الاوروبي لتنظيم واعداد قوة للانتشار السريع تتكون من 60.000، حتى عام 2003. ولا شك ان اوروبا، الأكثر فعالية، تعني حليفاً اكثر فعالية لأميركا. علينا في نفس الوقت ان نعمل لانشاء علاقات فعالة بين الاتحاد الاوروبي والناتو، وانشاء آلية للتخطيط المشترك، ووسائل لضمان التشاور بين الاتحاد الاوروبي وتركيا، وغيرها من الدول غير الاعضاء في الاتحاد الاوروبي او الناتو.

القوة الأوروبية الجديدة يجب ان تتكامل مع الحلف، لا ان تكون وجوداً مزدوجاً او منافساً له. ولتحقيق هذه الغاية ينبغي لبوش ان يقنع الآخرين انه يتفهم التطلعات الاوروبية ويتعاطف معها، وان يتخذ في نفس الوقت موقفاً حازماً ضد اية محاولة لاضعاف الناتو او شرخه.

ان اهم قضية من قضايا الأمن الاقليمي ستبقى هي البلقان. وقد اصدر وزير الخارجية كولن باول، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، تصريحات متناقضة حول استمرار مشاركة الولايات المتحدة في قوات حفظ السلام، مثل تلك التي في البوسنة وكوسوفو. وفي محاولة لشرح الموقف قال باول أخيراً للصحافيين «يحاول الوزير رامسفيلد على الدوام ان يستغل اية فرصة لتخفيض التزاماتنا الخارجية، وهذه هي مهمته وواجبه. الرئيس ايضاً يريد ذلك. ولكن يجب ان نوازن بين ذلك وبين مسؤولياتنا».

اثناء وجوده بأوروبا يجب ان يعبر بوش عن انه يتفهم تماماً اهمية البلقان بالنسبة لمصالحنا، وان اميركا لا تفكر في التنكر للالتزامات التي وافقت عليها. بهذا الصنيع يستطيع طمأنة حلفائنا ـ الذين يتحملون الآن اغلب النفقات وجل المخاطر في الاقليم ـ كما يستطيع ان يعبر عن تآزر مرغوب فيه لقوى الاعتداء في البلقان.

اخيراً، على الرئيس ان يستخدم رحلته ليبرهن اننا جادون في قضايا البيئة. خاصة ان قرار الانسحاب من اتفاقية كيوتو خيّب آمال الكثيرين في اوروبا، وعدداً لا يستهان به هنا في الوطن.

نحن نستهلك، على مستوى المعدل الفردي، ضعف ما يستهلكه الاوروبيون من الطاقة. وتبقى اميركا كأكبر مصدر للاحتباس الحراري في العالم. واذا اضطررنا لرفض اتفاقية كيوتو، فاننا ملزمون بتقديم بدائل لها وحاجتها العلمية، ويمكن الاتفاق حولها عالمياً. وعلى بوش ان يطرح مثل هذه الافكار، اذا لم يكن في رحلته في يونيو (حزيران) الحالي، ففي اقرب فرصة ممكنة.

منذ الأيام الاولى من حملته الانتخابية، ركز جورج دبليو بوش، وعن صواب، على اهمية العلاقات القوية مع حلفائنا، لخدمة مصالحنا. واستطيع ان اؤكد، بالانطلاق من تجربتي الشخصية، ان هذه العلاقات تحتاج الى رعاية دائمة.

ثمة ضغوط على جانبي المحيط، يمكن ان تفرق بيننا، وتبعدنا عن بعضنا البعض، اذا لم نواجهها. ولكننا لا يمكن ان نتصالح مع مشاعر اميركية تقول اننا لا نحتاج الى اوروبا ـ او مشاعر اوروبية بأنهم لا يحتاجون الى اميركا. فلا يمكننا ان نسير بسلام عبر القرن الحادي والعشرين، ونحن نسلك طرقاً متباينة.

* وزيرة الخارجية الاميركية (1997 ـ 2001) ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»