حالة حب!

TT

تستطع ان تنسب هذه الرواية الى ذلك الجنس الادبي النادر الذي اطلق عليه صاحبه اسم «المسراوية».. وهو جنس نادر لان صاحبه توفىق الحكيم مات او توقف عن الكتابة قبل استكمال او توضيح مشروعه الادبي المثير.

والمسراوية، كما هو واضح من التسمية، مزيج من المسرحية والرواية.. و«حالة حب» تنطبق عليها هذه المقولة.. فاذا كان السرد هو اسلوب الرواية او أداتها، فان الحوار هو اسلوب المسرحية او اداتها، ورواية «حالة حب» مزج من السرد والحوار.. فهي اذن مزيج من الرواية والمسرحية، بل هي اقرب الى المسرحية منها الى الرواية، فهي في الواقع حوار متصل بين البطل «عريان» حينا او «يعقوب»، كما يسميه المؤلف حينا اخر، والطرف الاخر مجموعة من البشر اكثرهم من النساء.. وكلها تدور حول الحب.

ومسرح الرواية مستشفى او مصح يقيم فيه الكاتب «عريان» ويمارس فيه حواراته المتصلة التي تصل احيانا الى حد الهلاوس.. فهذه المسراوية يمكن ان يطلق عليها ايضا اسم «هلاوس عريان» فينطبق عليها تمام الانطباق.. فالمؤلف يخرج «بعريان» من حالة الحب التي يعيشها الى افكار بعيدة، فهو يناقش روايات الفها.. او ينوي تأليفها.. وهو يتحدث عن هذه الروايات مع بروفيسور يدعى «انتوني ميرلاند».

الفكرة المحورية كما قلنا هي الحب.. وقرب منتصف الرواية يلقي «عريان» بسؤاله الاساسي على الطبيبة النفسية «ماري» فيسألها بعد الحاح من جانبه ورفض من جانبها ما هو الحب يا ماري؟ اعني ما الذي يجعل رجلا ما يحب امرأة ما دون نساء العالم كلهن؟ وما الذي يجعل امرأة ما تحب رجلا ما دون الرجال جميعا؟

وتقول «ماري» ان السؤال صعب والاجابة اصعب.. فلا احد يعرف تفسيرا للحب.. ولا فرويد ولا من قبله من الشعراء والفلاسفة والكتاب.. وتضيف «ماري» ان الحب حالات.. وكل حالة تختلف عن اختها.. ثم تعدد الحالات التي يقع فيها الرجل في الحب.. ثم تعترف انها تقول لمرضاها انهم احبوا بسبب الموقف! وحالة حب «عريان» وحبيبته «روضة» مدهشة فهي تهديه افخر الهدايا ولا تقبل منه هدية واحدة.. فهي تريد ان تخفي حبها لانها تظن ان الحب يتهدده الموت اذا اكتمل.. انها فريسة المخاوف او الهلاوس ايضا. ويذهب «عريان» في الغيبوبة النهائية، بعد ان تكون «روضة» قد ماتت.. ويكتب وصيته لولديه منها او ليس منها، لا يدرك فقد انطفأ وعيه وغادره ادراكه.

و«حالة حب» تنضح كل صفحاتها بالحب.. ومع ذلك فانك تحس طول الوقت انها رواية تنتسب الى رواية الافكار.. او مسرحية تنتمي الى المسرح الفكري.. فالمولف حتى في الهلاوس حاضر طول الوقت فهو يقدم هلوسة فكرية واقعية يناقش فيها العالم كله على محور واحد هو الحب بالحيوية والمتعة والرمزية التي تتميز بها كتابات المؤلف الدكتور غازي القصيبي.