تجنيس الكفاءات

TT

مر سريعا نبأ التشريع الجديد في السعودية، الذي يجيز منح الجنسية لأهل الكفاءات العلمية والمهنية العالية، كالاطباء والعلماء، وهذا الاسبوع فُعِّل القانون الجديد واعلن منح الجنسية وفق ذلك، لكنه في نظري قرار اصلاحي مهم وتطبيق حضاري وخطوة مهمة على الطريق الصحيح. لكن القانون الجديد ليس بلا معارضين، او لنقل متوجسين، لأن هناك من يخشى المنافسة او من ينظر الى الجنسية على انها مسألة وطنية مقدسة لا تكتسب بالوقت او العلم ولا تعطى لأحد الا في ظروف استثنائية نادرة. وهذا الفهم الشائع لم يناقش حتى يفند. فالمجتمعات الناجحة هي التي تستفيد من كل الكفاءات الوطنية وغيرها، والجنسية بحد ذاتها ليست مقياسا على الوطنية. وللسعودية تجربة ناجحة في ضم الكفاءات في بداية تأسيسها في اوائل القرن الماضي، فقد اعتمدهم الملك عبد العزيز سفراء ووزراء ومستشارين وقدموا للبلاد الفتية خدمات كبيرة في تلك المرحلة المبكرة والحاسمة، مثل جميل البارودي سفيرها الدائم الذي كان أشهر دبلوماسي في الامم المتحدة. وجعل الملك عبد العزيز المملكة خير نموذج لاستقطاب العرب ورعايتهم، بخلاف الدول التي رفعت شعارات العروبة ولم تمنح احدا جنسياتها او مناصبها.

ومعظم الدول المتقدمة التي تملك الامكانات والكفاءات ابقت على الباب مفتوحا تجتذب المهاجرين من المتعلمين والبارزين من اجل تطعيم مجتمعها بمن يستطيعون تجديد قدراته ورفعها. وفي زيارة غير عادية قام بها الرئيس الامريكي لاحد مراكز التجنيس، خطب في عدد من «مواطنيه الجدد»، فرحب بهم وأكد اهميتهم، وقال ان البيت الابيض الذي يسكنه اليوم، بناه مهندس ايرلندي مهاجر في عام 1790، وان مهاجرا روسيا جاء الى الولايات المتحدة في عام 1990 هو من صمم جهاز البحث الشهير «غوغل»، وبين الاثنين عشرات الملايين من المهاجرين ممن ساهموا في صنع الدولة العظمى. ولا تزال الجامعات الامريكية تستقطب المميزين من الهند والصين والشرق الأوسط، في حين ان القلة من بلداننا العربية غير مدركة لاهمية الكفاءة في بناء الدولة وتطويرها. بل نحن لا نعاني فقط من اغلاق الباب في وجه المهاجرين، بل اسوأ من هذا تركنا الباب مفتوحا لهروب الادمغة العربية للعيش والعمل والتجنس في الخارج.

لهذا فالخطوة السعودية بتشريع التجنيس ومنح الاولوية للمتميزين علميا ومهنيا تسير على الطريق الصحيح للتطوير، في مجتمع كبير سكانيا يفترض الا يخشى التزاحم ويحتاج الى الكثير ممن يساعده على النهوض. وفي داخل السعودية عدد كبير من الكفاءات العربية، الذين هم فعليا سعوديون، بحكم سكناهم الطويل ومرت عليهم عقود واجيال ولم يحصلوا على الجنسية، واعتقد ان لهم الاولوية لدروهم التاريخي وانخراطهم السلس في المجتمع. ولحسن حظ السعودية ان مجتمعها تعايش مع الجاليات العربية لعقود طويلة وباعداد كبيرة، وصارت اليوم اكبر وعاء عربي مختلط الجنسيات. وما وضع تشريع للتجنيس الا اقرار بهذه الحقيقة وادراك لاهمية الكفاءات والاستفادة المتبادلة.

 

[email protected]