الحرب القادمة في الشرق الأوسط

TT

قد يؤدي التقرير القاسي الذي أصدرته لجنة إسرائيلية، تشكلت لدراسة القرارات التي أدت إلى وقوع الحرب ضد حزب الله في الصيف الماضي، إلى إنهاء زعامة رئيس الوزراء إيهود أولمرت. إذ ارتفعت على إثر صدور التقرير أصوات مطالبة باستقالته حتى ضمن حزبه. مع ذلك، فإن القصة الحقيقية هي أن أسباب الحرب الأخيرة ما زالت قائمة وربما تشعل حربا أخرى.

وأول هذه الأسباب هو الفشل في فرض قرارات الأمم المتحدة. فالتجاء إسرائيل إلى العمل العسكري في يوليو(تموز) الماضي هو بالدرجة الأولى بسبب عدم قيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأي إجراء لفرض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 (الذي أقر في عام 2004) أو قرار 1680 (الذي صدر عام 2006)؛ وكلاهما طالبا وبشكل واضح بأن ينزع حزب الله سلاحه. ولم يبق أمام إسرائيل سوى أن تقوم بهذه المهمة بعد أن عبر بعض عناصر حزب الله خط الأمم المتحدة الفاصل بين البلدين، وقتلوا 3 جنود واختطفوا اثنين آخرين لم يتم حتى الآن إطلاق سراحهما.

وأدى انتهاء الحرب إلى صدور قرار دولي جديد هو 1701، ووفقه تم نشر آلاف الجنود من قوات حفظ السلام الدولية في لبنان. وضيّق وجود هذا العدد الكبير من الجنود على حزب الله حتى مع عدم سعي القوات الدولية هناك الى نزع سلاح حزب الله. مع ذلك، فإن هناك فقرة في القرار تدعو إلى فرض حصار دولي لمنع وصول الأسلحة إلى لبنان، لكن لم يتم تطبيقها بعد. وقبل أسبوعين عبر مجلس الأمن الدولي عن قلقه من عدم تطبيق القرار بالكامل. وظلت تقارير تشير باستمرار الى تدفق الأسلحة من سوريا إلى لبنان، بينما قال مسؤولون إسرائيليون إن حزب الله يخفي صواريخ سورية الصنع من عيار 220 ملم تصل إلى شمال إسرائيل. وهناك إشاعات تقول إن إسرائيل ولبنان على وشك الدخول في حرب أخرى هذا الصيف.

أما العاملان الآخران اللذان يضيفان الوقود إلى النار. فهما، أولا، أن سوريا متواطئة مع حزب الله لعدم تحقيق الاستقرار للحكومة اللبنانية خوفا من التزام بيروت بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري عام 2005.

والعامل الثاني انه، في صدى غريب للإعداد لحرب 1967، يقول مسؤولون ان موسكو تبلغ دمشق، مرة اخرى، بأن لدى اسرائيل خططا لمهاجمة سوريا. ويقول مسؤولون أمنيون اسرائيليون إن الانتشار العسكري الجديد لسوريا يعكس هذه النصيحة الروسية. وإذ يشعر بالقلق من ان هذا الانتشار قد يتحول على نحو خطر من الدفاع الى الهجوم، اتخذ أولمرت الخطوة غير المألوفة في الاعلان الشهر الماضي عن أن اسرائيل ليست لديها رغبة في البدء بحرب مع سوريا. ولكن آفاق إساءة التقديرات تظل واسعة. وتعتقد سوريا أن اسرائيل ترى الحرب وسيلة لاستعادة رادع جرى إضعافه الصيف الماضي، وتعتقد اسرائيل أن سوريا ترى علاقتها مع إيران وحزب الله توليفة رابحة.

وعلى رأس كل هذا فان طريقة حماس في ايقاف اطلاق النار في غزة تعتبر خطوة ترقب وليست خطوة فرض. وعلى نحو خاص فان حماس لم تفعل شيئا لإيقاف اطلاق ما يزيد على ألف من صواريخ القسام من غزة التي رحلت عنها اسرائيل منذ عام 2005 الى جنوب اسرائيل خلال السنة الأخيرة، وفي الأسبوع الماضي أكدت علنا مسؤوليتها عن بعض تلك الهجمات. ولم يجر تحديد وقف إطلاق النار، ولهذا فانه ليست هناك تعهدات تقيد الاسرائيليين او الفلسطينيين.

ومن الجدير بالذكر، ان هجوم حزب الله الاستفزازي في الصيف الماضي قد ارتبط بتعاطف؛ فقد خطف اثنين من الجنود بعد أن خطفت حماس الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط في يونيو (حزيران) الماضي.

ووسط كل هذه المشكلات، وأخذا بالحسبان موقف أولمرت غير القوي وإصرار الجامعة العربية بعد قمتها في الرياض في مارس(آذار) الماضي على ان خطتها للسلام هي قضية قبولها او عدم قبولها، فمن الصعب الاعتقاد أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ستفلح في التوصل عبر التفاوض الى «أفق سياسي»، وبالتحديد صياغة مبادئ مرشدة يمكن أن تحكم حلا للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني، ما لم يستقر الوضع السياسي الاسرائيلي ويتوفر وضوح أكبر بشأن «حكومة الوحدة» الفلسطينية واتجاهها المعتدل.

وهذا الوضع لا يدلل على سلبية الولايات المتحدة. بل ان رايس لا بد ان تقود تحالفا دوليا لمعالجة الأزمات الوشيكة في الميدانين العربي والإسرائيلي. ويمكن للمجتمع الدولي بل ويتعين عليه الاتفاق على إصدار قرار لمتابعة قرار الأمم المتحدة رقم 1701 بخصوص نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على الحدود السورية اللبنانية. ان تجنب اندلاع دورة جديدة من العنف يمكن أن يجعل من أفق رايس السياسي إمكانية أكبر ما ان يجري حل أزمة الزعامة في اسرائيل.

* باحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومدير مشروع المعهد حول عملية السلام في الشرق الأوسط

خدمة «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)