أليس هذا مطلوب إيضاح؟

TT

خلال الحملة الانتخابية الفرنسية طرح فريقان، جدي وممل، سؤالا واحدا: ما هي مكانة وما هو مكان الناخب العربي. وصيغة السؤال خاطئة واحتقارية. فالذي ينتخب في فرنسا هو الناخب الفرنسي، سواء كان من اصل عربي او مجري او فيتنامي. وافضل ما يفعله المواطنون من اصل عربي ليس حرق الدواليب واشعال السيارات وحصر خطب الجمعة بمهاجمة المجتمع المدني الفرنسي والدولة الفرنسية والقوانين الفرنسية.

افضل ما نفعله هو ان نتحول الى قوة متقدمة في المجتمع الفرنسي، وان نصبح طليعته، كما اصبح الهنود يشكلون طليعة اثرياء بريطانيا وعلمائها. والمجتمع الأوروبي عنصري في داخله، لكنه محكوم بالقانون. ومحاربة العنصرية تكون بأن نصرعها في السباق معها، وليس برفض كل شيء إلا المساعدات الاجتماعية وصدقة البطالة. وامام العرب الفرنسيين فرصة ليست متاحة في ديارهم. هنا يقدم لهم التعليم مجانيا من الروضة الى افضل الجامعات. ومعه مساعدات الحمل والرضاعة. وقبول التعليم (وليس التقاليد الاجتماعية) هو الطريق الاقل عناء وكلفة الى التقدم. وفي الامكان رفض القيم والنظم الاجتماعية الى الابد، لكن رفض مجانية التطور والتقدم والزامية القوانين، يؤدي ابدا الى ما هو حاصل الآن: مجتمع معاد على حافة المجتمع، يرى خلاصه في حرق السيارات والمدارس والتجمع في احياء معزولة عن كل فرنسا وعن جميع العالم. لقد تذمر جاك شيراك من نموذج العربي الذي يحصل على 56 ألف فرنك في الشهر مساعدات اجتماعية، لأنه يرفض العمل. وفي المقابل منحت فرنسا ارفع جوائزها الادبية الى الطاهر بن جلون وأمين معلوف. وسلمت شركة «رينو» أمرها الى كارلوس غصن. وقطع مهاجر مجري يدعى نيكولا ساركوزي الطريق الطويل الى معركة الرئاسة. لا يعني ذلك ان فرنسا تنتظر على المطار لكي تقدم للمهاجرين كل ما تملك. لكنه يعني ان كل مواطن فيها مفتوحة امامه ابواب العلم والترقي اذا شاء. وقد احتلت الكاتبة الجزائرية آسيا جبار أعلى مقعد وطني في عضوية الاكاديمية الفرنسية التي اسسها الكاردينال ريشيلو. وتمتلئ جامعات فرنسا بأساتذة عرب يستحقون التقدير. وهناك الآلاف من ذوي الثروات المتواضعة بالإضافة الى اصحاب الثروات الكبرى.

الدعوة الى الانصهار في المجتمع الفرنسي لا تعني التخلي عن التقاليد والتراث والهوية. بل ان التشديد على الهوية هو المطلب. وكذلك التأكيد على امكانية التميز والفوز في السباقات المتزامنة التي يخوضها المواطن الفرنسي كل يوم.

والتميز نقيض الاعتزال الذي نطرحه اليوم. ولا يجوز ان نطرح انفسنا كجالية لا تعرف الخروج من الفقر والانزواء والدعوة الى العنف.