إيران: التحضير للحرب والسير نحو أزمة اقتصادية

TT

وعد الرئيس محمود أحمدي نجاد في وقت سابق بوضع عائدات نفط البلاد على مائدة كل اسرة ايرانية ليثبت ان الثورة الخمينية يمكن ان ايضا ان توفر الرخاء والازدهار الى جانب متابعة سياستها الخارجية الرسالية، لكنه من المتوقع ان يعلن في وقت لاحق من الشهر الجاري تطبيق خطة مشروع لتوزيع الجازولين بنظام الحصص كواحدة من سلسلة إجراءات للتقشف تبنتها حكومته مسبقا.

نظام التوزيع بالحصص سيسمح لكل سائق ايراني بالحصول على جالونين من الجازولين يوميا بسعر مدعوم يعادل 40 سنتا. وهذا إجراء من المؤكد ان يؤدي الى ظهور سوق سوداء، كما من المؤكد ايضا ان يحقق رجال الأعمال ـ الملالي وحلفاؤهم في حرس الثورة الاسلامية ارباحا طائلة مستخدمين نفوذهم.

باتت خطة توزيع الجازولين بنظام الحصص امرا ضروريا بسبب إنفاق الجمهورية الاسلامية، وهي رابع دولة من حيث حجم الانتاج العالمي من النفط، نصف عائداتها من النفط على استيراد ما يزيد على 40 في المائة من احتياجاتها من المنتجات البترولية المكررة.

ترى، ما الذي اوجد هذا الوضع الغريب في ايران؟

بدأ هذا الوضع بإعلان الراحل آية الله الخميني عند بداية الثورة ان الأمر الأكثر اهمية هو الاسلام وليس الاقتصاد. وفي لحظة ارتجال تجاهل تماما المخاوف الاقتصادية التي أبداها اول رئيس وزراء له، مهدي باذرجان، ووصف الخميني هذه المخاوف بقوله: «الاقتصاد للحمير».

ازدادت الأمور تعقيدا عندما تبنى محمد علي رجائي، وهو مدرّس في مراحل التعليم العام اصبح رئيسا للوزراء ثم رئيسا للبلاد عام 1981، مفهوم «الاكتفاء الذاتي». قُتل رجائي في وقت لاحق إلا ان ارثه الأيديولوجي لا يزال باقيا. ويحاول احمدي نجاد حاليا لعب دور «رجائي الثاني».

كان رجائي يعتقد ان ايران اذا لم تعد قادرة على بناء شيء بنفسها، فإن من الأفضل لها ان تنتظر حتى تتمكن من فعل ذلك بنفسها في وقت لاحق. وشمل مفهوم رجائي كل المشاريع بما في ذلك منشآت تكرير النفط. وبفرار غالبية المهندسين والفنيين العاملين في قطاع النفط عقب الثورة الخمينية، وعلى وجه التحديد خلال الفترة بين عامي 1980 و1981، لم يعد هناك عدد يذكر من الايرانيين الذين يعرفون كيفية إقامة منشآت تكرير النفط. وبذلك وضعت جانبا كل الخطط الرامية لبناء 25 مصفاة للنفط خلال الفترة من عام 1980 حتى عام 2000. إذ ان الخمينيين لم يسمحوا لـ«الكفار» بدخول ايران لتشييد منشآت تكرير النفط الخام.

حاول الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي خلف رجائي في الرئاسة، تغيير ذلك الموقف الايديولوجي خلال عقد التسعينات. فكر رفسنجاني، وهو رجل أعمال ويتردد انه الشخص الأكثر ثراء في ايران، في إعادة إحياء خطط ما قبل الثورة في ما يتعلق بإقامة منشآت تكرير النفط، إلا ان ذلك لم يحدث بسبب خوف المؤسسة الحاكمة من ان تؤدي مثل هذه المشاريع الى جلب عشرات الآلاف من الفنيين «الكفار» الذين من المحتمل ان يؤدي وجودهم الى نسف الطموحات الاسلامية للنظام الحاكم.

ويمكن القول هنا ان إلغاء جزء من دعم الدولة للجازولين يعتبر خطوة اولى في اتجاه خطط اوسع لخفض العجز في موازنة الحكومة، الذي وصل رقما قياسيا.

تستورد ايران كل المواد الغذائية التي تستهلكها ونجحت في منع حدوث مجاعة واسعة النطاق بفضل الدعم الحكومي الهائل للأسعار. وفي حال إلغاء هذا الدعم، فإن سعر الخبز، على سبيل المثال، سيتضاعف. يضاف الى ما سبق ان غالبية الايرانيين لا تزال تستهلك السكّر لأن الحكومة تتحمل ثلث تكلفة استيراده تقريبا.

على الرغم من الارتفاع الهائل في أسعار النفط خلال العامين السابقين، فإن حكومة احمدي نجاد ربما تجد نفسها قريبا في مواجهة مشكلة سيولة نقدية، ويعود هذا من ناحية الى الزيادة الهائلة التي قررها الرئيس نجاد في ميزانيتي الدفاع والأمن. وفي إطار محاولاته الرامية الى جعل اقتصاد البلاد اقتصاد حرب، تخلى الرئيس الايراني عن مواصلة العمل في عدد من المشاريع التنموية الطويلة الأمد. وفي نفس الوقت زاد نجاد الإنفاق على وجود الحرس الثوري في أماكن يعتبرها مسرحا للنزاع مع الولايات المتحدة، خصوصا في أفغانستان والعراق ولبنان. كما ان الخوف من حدوث تمرد عرقي في عدة محافظات، بما في ذلك سيستان وبلوشستان وكردستان، اجبر حكومته على تحديد مخصصات غير مسبوقة للحشد الأمني في هذه المناطق.

يعتقد احمدي نجاد ان قوة الولايات المتحدة تواجه تدهورا وأنها من المحتمل ان تجبر على الانسحاب من الشرق الأوسط تحت ضغوط الصراعات السياسية الداخلية، وان الولايات المتحدة ربما تحاول الرهان مرة أخرى على منطقة الشرق الأوسط من خلال مهاجمة ايران. يعتقد احمدي نجاد ايضا ان مثل هذا الهجوم سيقتصر فقط على ضربات جوية على مدى بضعة ايام. وسيمكّن هذا الولايات المتحدة، حسب اعتقاده، تحت رئاسة جورج بوش من تغطية تراجعها وانسحابها من منطقة الشرق الأوسط بتوجيه ضربة الى ايران.

ثمة سيناريو آخر بالطبع.

الولايات المتحدة ليست في حاجة الى الهجوم على ايران ثم تركها قادرة على القتال. إذ ان ميكيافيلي قال قبل عدة قرون ان هذا الفعل غاية في الغباء. فالعدو لا يترك جريحا، اما ان تقتله او ان تحوله الى صديق. ظلت الولايات المتحدة تجد متعة في الحرب الخفيفة، ويعود السبب في ذلك الى عدم وجود أي من منافسيها الاقليميين ممن يرغب في الدخول في هذه اللعبة معها. ايران ظلت تفضل سباقات الماراثون، في الوقت الذي يمارس فيها اعداؤها العدو السريع.

ربما تعرف ايران قريبا ولأول مرة ان بعضا، على الأقل من اعدائها، سيجاريها في اسلوبها، أي في اللجوء الى خيار الحرب الخفيفة. مجلس الأمن كان قد اجاز مسبقا قرارين تأديبيين ضد ايران، مع احتمال إجازة القرار الثالث في وقت لاحق من الشهر الجاري عند تحديد مهلة من جانب المجلس.

استراتيجية احمدي نجاد المحفوفة بالمخاطر ربما تضطر ايران الى القتال في جبهتين في آن واحد: الجبهة الداخلية، حيث تواجه السلطات تململا متزايدا وسط المواطنين، اما في الجبهة الخارجية، فتواجه ايران تحالفا من أعداء لا تقنعهم مجرد ألعاب نارية محدودة، كما يتخيل احمدي نجاد.