هوامش: من باريس إلى شرم الشيخ

TT

أولا: ليس من شك في أن كثيرا من العرب كانوا يتخوفون من نجاح نيكولا ساركوزي في انتخابات الرئاسة الفرنسية لشعورهم بأن مواقفه أكثر تعاطفا تجاه إسرائيل من تفهمه للقضايا العربية العادلة وخاصة مشكلة فلسطين، ولفهم بعض تصرفاته وتصريحاته على أنها معادية للجاليات العربية التي يبلغ عددها في فرنسا ما يزيد على أربعة ملايين مهاجر يعانون من مشاكل كثيرة تحتاج الى رعاية، خاصة أنهم باعتراف الجميع يساهمون في بناء الاقتصاد الفرنسي وليسوا ـ كما يصور البعض ـ مجرد عبء على المجتمع الفرنسي. كما أن البعض كانوا يخشون من أن يؤثر قربه من الولايات المتحدة التي يعتبر الكثير من العرب أنها سبب الكثير من المشاكل التي يواجهونها سواء لانحيازها لإسرائيل أو لسوء تصرفاتها التي قادت العراق الى حافة هوة سحيقة بدلا من أن تقوده، كما كانت تدعي، الى أن يصبح مثالا للديموقراطية والرخاء... كان بعض العرب يخشون من أن يؤدي قربه من الولايات المتحدة الى فقدان الدور الفرنسي المستقل الذي عرفناه في عهود ديغول وديستان وميتران وشيراك والذي كان في كثير من الأحيان عنصر توازن، بل عنصر مصالحة بين الشرق العربي والغرب.

وكان هذا الموقف يذكرني بانتخابات آخر القرن الماضي في الولايات المتحدة حين كان الكثيرون من العرب يفضلون أن ينجح بوش ـ لتعلقهم باسم والده الذي كانت له مواقف يرونها إيجابية ـ بدلا من غور الذي لصقت به سمعة القرب من إسرائيل. وعندما ظهرت نتيجة الانتخابات بفوز بوش لم تلبث مواقفه أن قادت الى غير ما كان متوقعا منها.

وعلى أية حال فإن الأمر يجب ألا يؤخذ بحساسية أو بنوع من التوجس، بل بتعزيز الاتصالات بالرئيس الجديد والتركيز على المصالح المشتركة بين العالم العربي وفرنسا والحفاظ على جوهر العلاقات المحققة للمصالح المشتركة، حتى إذا اختلفت بعض المظاهر. ولقد كان إيجابيا أن الرئيس مبارك التقى خلال زيارة أخيرة لباريس مع ساركوزي وكان قد سبق له لقاء سيغولين روايال، في تأكيد على أن مصر تتعامل مع فرنسا على أساس المصالح الدائمة والصلات الوثيقة بين البلدين والشعبين.

وأعتقد أن الشهور الأولى من الرئاسة الفرنسية الجديدة ستحتاج الى تنشيط الاتصالات العربية ـ الفرنسية في جميع المجالات للحفاظ على ما تحقق والبناء عليه.

ثانيا: تعددت الاجتماعات المتزامنة والمتتالية التي عقدت في شرم الشيخ وتعددت موضوعاتها، فقد عقد اجتماع موسع للنظر في إمكان مساعدة العراق على الخروج من المأزق الذي قادته إليه سياسات أمريكية خرقاء والغزو بمبررات اتضح ليس فقط كذبها بل اختلاقها من جانب من استخدموها وهم يعرفون زيفها في أغلب الأحوال. وكان واضحا أن الولايات المتحدة حريصة على أن تلقي على الآخرين عبء مساعدتها على الخروج من ورطتها التي صنعتها برعونة المحافظين الجدد الذين حبسوا أنفسهم وفكرهم في آيديولوجية فاسدة وضارة. وليس هناك ما يمنع من مساعدة واشنطن على الخروج من تلك الورطة إذا كان ذلك يحقق مصلحة الشعب العراقي ويقيه شرور الفتنة الطائفية والانقسام ليعود شعبا موحدا في دولة موحدة تكون إضافة للعالم العربي وليس حجة للانتقاص منه وتعريضه لأخطار هو في غنى عنها. ولذلك فإن النقطة الأساسية ليست في تقديم مساعدات أو إلغاء ديون ما كان لها مبرر، خاصة أن الحاكم المدني الأمريكي الأول بريمر كان يؤكد أن ثروات العراق كفيلة بأن تغطي كل النفقات، فإذا بتلك الثروات تنهب وتبعثر ـ النقطة الأساسية هي تحقيق المصالحة الوطنية وهو الجهد الذي كانت جامعة الدول العربية قد تحمست له وبدأت العمل من أجل تحقيقه، ثم فترت الهمة لأسباب ما زالت تثير الدهشة لأنها غير معروفة، وإذا عرفت فقد تثير الأسى والله أعلم. ويرتبط بهذه الإسهام في إعادة الدولة القوية الموحدة بأجهزتها التي دمرها الاحتلال، ويجب أن يقترن هذا بوضع جدول زمني ـ حتى إذا كان تقريبيا ـ لانسحاب القوات الأجنبية.

ومن ناحية أخرى عقد اجتماع موسع لدول الجوار العراقي مع الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن والدول الصناعية الكبرى، وكان هدفه في ما أتصور مشابها لأهداف الاجتماع الأول في بعض جوانبه مضافا إليه تعهد الدول المشاركة بالمساهمة في تحقيق الاستقرار في العراق عن طريق منع التسلل. ومن البديهي أن يكون هذا الموضوع مرتبطا بإعادة تأهيل الدولة العراقية وفتح الباب أمام احتمال إنهاء الاحتلال الأجنبي، مما يحقق الطمأنينة لجميع الأطراف ويساعد بالتالي على التوصل الى أوضاع تحقق الأمن والاستقرار لها جميعا.

أما الاجتماع الثالث فهو ـ فيما أعتقد فقد تعددت الاجتماعات الى درجة قد تثير الخلط بينها ـ الخاص بالمبادرة العربية للسلام. ولعله قد توصل الى وضع أسس للتحرك الجاد من أجل وضع المبادرة على رأس جدول أعمال العالم بما يؤدي الى وقف الأعمال العدوانية الإسرائيلية التي تعيق تحقيق أي تقدم حقيقي نحو إقامة سلام عادل ومستقر يضمن الأمن للجميع. وما زلت أعتقد أن طرح المبادرة على مجلس الأمن لاستصدار قرار بها يكون من شأنه تحقيق خطوة ملموسة نحو الهدف المنشود.

وعلى هامش تلك الاجتماعات التي تعددت، وربما اختلط أمرها على المراقب من بعيد، جرت لقاءات ثنائية أعتقد أنها غاية في الأهمية، ومنها أول لقاء أمريكي ـ سوري على مستوى وزاري منذ وقت طويل، ولعله يكون بداية لسلسلة من اللقاءات تتعلق بمختلف نواحي الخلاف من استئناف المفاوضات لاسترداد الجولان الى لبنان الى العراق، كما جرت اتصالات بين الجانب الأمريكي والجانب الإيراني حتى إذا لم تكن ارتفعت الى المستوى الوزاري لأسباب تبدو غامضة، ولكنها لا تنفي أن هناك في ما يبدو استعدادا لحوار يمكن أن يتسع، ولعل الجانبين قد أدركا أن السير على طريق الصدام ليس في مصلحة أي منهما، وقد تترتب عليه نتائج وخيمة لا تحمد عقباها.

وليس من شك في أن الحوار في جميع الأحوال وبالنسبة لجميع المشكلات هو الطريق الأسلم الذي حتى إذا لم يثمر في النهاية كل الثمار المأمولة، فإنه على الأقل يعطي الفرصة لتجنب الذهاب بعيدا في طريق العناد الذي يقود أحيانا الى حافة الهاوية فيكون الجميع من الخاسرين.

أما وقد حاولت استعراض اجتماعات شرم الشيخ التي أرجو أن تكون نتائجها بداية لتحركات جادة وملموسة تحقق مصالح وتمنع صدامات، فإني أود أن أبدي بعض الملاحظات:

1 ـ أدهشني ما علمته من بعض أصدقائي من السفراء العرب أن أي دولة من دول المغرب العربي لم تدع الى الاجتماع الموسع بشأن العراق. ولست أشك في أن هناك أسبابا ومبررات لذلك يعجز فهمي عن الوصول إليها، ولكنه يبقى أنه كان من المهم أن تشارك كل الدول العربية في عملية إنقاذ العراق.

2 ـ أدهشني أن وفدا فلسطينيا لم يكن مشاركا ـ أو على الأقل قريبا من المناقشات التي جرت حول المبادرة العربية للسلام.