أعوذ بالله من يوم لا أقول فيه: أنا!

TT

قرأت تعليقا لأحد القراء الأفاضل يقول: يا أخي وجعت دماغنا.. ولم أكمل العبارة. ولا عرفت ما الذي أوجعه مني. ولكن بادرت قائلا: فعلا معك حق. لقد أوجعت دماغك بالكلام عن أنا.. وأعوذ بالله من يوم لا أقول فيه: أنا.. قرأت كتبت فكرت أكلت شربت.. أنا وإنا لله وإنا إليه راجعون..

ولا بد أنني أوجعت دماغي أنا أيضا في الكلام عن ذكريات تاريخية مع كبار الأدباء والفلاسفة والمفكرين والزعماء. أي عن التاريخ.. عن الذي حدث والذي أحدثوه وعن امتنان وعقوق الناس لهم وسوء الفهم وسوء التقدير. وكيف مرضوا وكيف ماتوا ولسوء حظي شهدت الوفاة وأوجعني ما يوجع أي صديق أو مؤرخ أو مفكر..

كيف لا أقول آه متلمسا جانبي عندما أرى أستاذنا العقاد طريحا أطفئت في وجهه كل الأنوار.. كيف أرى الحكيم هكذا مكوما وإحسان عبد القدوس.. وكيف رأيت السادات في لحظاته الأخيرة. وكيف لا أقول: أنا تمزقت حزنا وأسى على مخلوقات فذة أبدعها الله ، لعلنا ولعلهم..

كيف أراني قد وافتني منيتي إلا قليلا عندما ماتت أمي يرحمها الله.. وكيف أراها فأراني ميتا إلا قليلا. والقليل يقرأ الفاتحة ويذوب دمعا ولا يزال ـ والله على ما أقول شهيد ـ منذ 37 عاما كأنها ماتت بالأمس.. أو كأنها لم تمت.. ويوم الخميس من كل أسبوع أقف باكيا.. وأطلب من السائق والحارس أن يذهبا بعيدا حتى لا يراني أحد وأنا ابكي على أمي.. وأنا أعلم أنها ليست هناك ولا أحد هناك.. ولكنها هنا في قلبي يتقلب ويتوجع وأتوجع.. بعضي يبكي على بعضي.. وليسامحني الله يوم وقفت في الكعبة أدعو الله أن تموت أمي قبلي حتى لا تتعذب من بعدي. واستجاب الله، فهل كنت صادقا أو أنانيا طلبت لنفسي طول العمر ولو يوما واحدا بعدها. ولكن الله أبقاني شاهدا على فداحة خسارتي فيها وحزني عليها ـ آسف إن كنت أكثرت من أنا. فلا أعرف كيف أقول كل هذا، ولا أقول أنا!