إيران وأميركا.. في انتظار غودو

TT

أخبرني قبل سنوات جومينيك بيكو، الذي كان يعمل مستشارا للأمين العام للامم المتحدة، بقصة المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، ووصفها لي بأنها كانت تشبه بعض الشيء مسرحية صمويل بيكيت المشهورة «في انتظار غودو» Waiting for Godot. شخصان ينتظران غودو الى ما لا نهاية، إلا ان غودو لا يحضر. يحضر صبي في بعض الأحيان ويقول ان غودو لن يأتي اليوم وإنما سيحضر غدا. وتمر السنوات ولا يظهر أي مؤشر على مجيء غودو. الآن، وبعد مرور ثلاثة عقود تقريبا، لا تزال الولايات المتحدة وإيران تؤمنان باجراء محادثات مع بعضهما بعضا.

كتبت في مايو (آيار) 1990 مقالا لصحيفة «ايتيلات»، تحت عنوان «المحادثات المباشرة»، اقترحت فيه إجراء مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، إلا ان رد الفعل كان قاسيا. كتبت مقالات كثيرة ضدي، بل خرجت مظاهرات ضد المقترح. قادت ردود الفعل تلك صحيفة «كيهان»، التي تعتمد على المرشد الأعلى آية الله خامنئي. قالوا ان المقال الذي كتبته مخالف للإسلام ومخالف للثورة ومخالف للقيم. لكنني اعتقد ان إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، ليس جزءا من الاسلام او الفقه، وإنما امر غاية في البساطة، إذ اعتمادا على المصلحة الوطنية يمكن ان نجري محادثات ومفاوضات مع الآخرين، حتى الأعداء.

مرت السنوات والعقود ولا تزال الولايات المتحدة وإيران في انتظار غودو!

كلما وجدنا مؤشرا ايجابيا نواجه بمؤشر سلبي على نحو تلقائي. فعلى سبيل المثال، ناشد الممثل الأعلى للاتحاد الاوروبي لشؤون السياسة الخارجية، خافيير سولانا، السلطات الاميركية، المضي قدما في مساعي إجراء مفاوضات مباشرة مع ايران حول برنامجها النووي، وذلك بعد التقائه علي لاريجاني في انقرة، وقال سولانا في هذا السياق انه «من المؤكد ان الدوائر الرسمية في طهران على استعداد لإجراء هذه المفاوضات».

وفي مؤتمر صحافي في بروكسل اشار سولانا الى ان الولايات المتحدة يجب ان تدرس فرصة إجراء مفاوضات مباشرة مع ايران. وكان صحافي مطلع على الشؤون الايرانية، في ما يبدو، قد طرح سؤالا اساسيا في نفس المؤتمر الصحافي حول «ولاية الفقيه» في ايران. سأل الصحافي سولانا مستفسرا حول ما اذا كان المرشد الروحي في ايران على استعداد للتوصل الى حل بشأن إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي، وأجاب سولانا مؤكدا، انه لا شك لديه في استعداد علي خامنئي للتوصل الى حل بشأن إجراء مفاوضات مع واشنطن حول البرنامج النووي الايراني. إلا ان لاريجاني نفى عقب مرور أقل من عشر ساعات ما قاله سولانا بشأن موقف المرشد الأعلى الايراني، الأمر الذي يعني ان كلا الطرفين في انتظار غودو.

ظلت القيادة الايرانية تواجه وضعا معقدا بسبب إصرار نظام ولاية الفقيه على ان إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة يتعارض مع قيم الثورة الاسلامية، وان المفاوضات نفسها أمر لا طائل من ورائه. فقد نشرت صحيفة «كيهان» في عددها الصادر يوم 7 مايو الجاري مقالا ضد إجراء أي مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، وهذا هو الموقف التقليدي لآية الله خامنئي. ترى، كيف يمكن ان يبرر موقفه الجديد؟

يبدو ان لاريجاني قد ابلغ سولانا بموافقة خامنئي في حديث خاص بينهما. ولكن عندما تحدث سولانا علنا عن هذا الموقف سارع لاريجاني الى نفيه. ويمكن القول هنا ان ثمة نوعا من التناقض بين الواقع والشعارات.

من ناحية أخرى، تواجه الولايات المتحدة نفسها الكثير من التعقيدات، في ما يتعلق بإجراء مفاوضات مع الحكومة الايرانية. فقد قال الرئيس الاميركي في خطابه حول حالة الاتحاد في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي ان إيران، بوصفها ضلعا في محول الشر، تسعى للتسليح بغرض تهديد السلام العالمي، وان النظام الايراني يشكل تهديدا خطيرا ومتزايدا. إذن، كيف تريد الولايات المتحدة ان تتفاوض مع ايران ما دام هذا موقفها تجاه طهران؟

ولكن يبدو ان العالم قد تغير، فالولايات المتحدة ايضا لها خبرة فريدة في التفاوض والقتال في مواجهة الفيتكونغ خلال حرب فيتنام.

قرأت في الآونة الأخيرة كتاب «الطريق الضائع نحو السلام»، لمؤلفه السفير الإيطالي السابق في سايغون جيوفاني دورلاندي، خلال الفترة من 1962 حتى 1968. يكشف دورلاندي في كتابه عن مفاوضات سرية اوشكت ان توقف الحرب قبل وقت طويل من عام 1975. تناول الكاتب خوض الحرب وإجراء المفاوضات في آن معا. كانت الولايات المتحدة تبحث عن سبل لإجراء مفاوضات مع الفيتكونغ، وكانت تلك هي مهمة السناتور مايك مانسفيلد. عندما وصل مانسفيلد الى روسيا فشل، إلا ان الرئيس الاميركي اصدر قرارا بتعيين هارمين مبعوثا خاصا له، تتركز مهمته في التوصل الى طرق تقود الى المفاوضات.

الوضع الآن لا يشبه ما كان عليه في تلك الفترة. ليست هناك حرب بين دولتين، بل العكس، إذ ان الدولتين تصران على التمسك بالدبلوماسية بدلا من الحرب. عندما صدر القرار الخاص بتعيين روبرت غيتس وزيرا للدفاع، اصدر تعليماته بتعزيز القوات الاميركية في الخليج، وقال في هذا الشأن ان «القوة وسيلة للمفاوضات».

يبدو ان الدولتين تسعيان الى تحقيق انتصار. الولايات المتحدة تريد مغادرة العراق بصورة حسنة، ولا تنكر دور وأثر ايران، وفق ما جاء في تقرير بيكرـ هاميلتون. من ضمن المقترحات الرئيسية في التقرير إجراء مفاوضات مباشرة مع ايران. أولا، يجب ان يتحلى الطرفان برغبة جادة في إجراء هذه المفاوضات. ثانيا، يجب ان يضعا في الاعتبار استراتيجية المفاوضات. اوردت صحيفة «كيهان» ان القيادة الايرانية لا تثق في رغبة الولايات المتحدة في إجراء مفاوضات، وتقول ايضا ان الولايات المتحدة تريد فقط المفاوضات من أجل المفاوضات. وهذه هي العقبة الرئيسية. ويبدو الأمر مثل انتظار غودو، ذلك ان كلا من ايران والولايات المتحدة ينتظرانه. ولكن ربما يتغير العالم بعد انتهاء رئاسة بوش.