الرئيس ساركوزي

TT

وأخيرا انتهت الانتخابات الرئاسية الفرنسية وحسمت لصالح المرشــح اليميني نيـكولا ساركوزي ابن المهاجر الهنــغاري والأم اليونانية. وما أن تم الاعلان عن النتائج حتى بدأت اقلب المحطات الفضائية، وانتظر قرارا من المحكمة الفرنسية العلــيا بإلغــاء نتيجة الانتخابات وبطلان ما حدث بسبب عدم «كفاءة» نسب ساركوزي، ولكنني سرعان ما تذكرت أن هذه فرنسا وأن على السادة المقيمين خارجها مراعاة فارق الأصول والأولويات! لقد كانت الانتخابات الفرنسية الأخيرة هذه هي الأكثر إثارة وممارسة والأكثر مشاركة من قبل الناخبين، إذ بلغت نسبة المشاركة 85% ، وهي نسبة غير مسبوقة منذ خمسة وعشرين عاما. فرنسا صوتت لساركوزي ولكنها أيضا صوتت لمسائل مختلفة كثيرة، فهي صوتت للتغيير والإصلاح الاقتصادي الجذري ( وهو ما وعد به ساركوزي) ورفضت الاشتراكية التي كانت تصر عليها مرشحة اليسار سيغولين روايال، وصوتت لقيادة قوية كعنصر أهم من حق المرأة في منصب رئاسة الجمهورية. وهذه الأخيرة مسألة مهمة, إذ نجح ساركوزي في الحصول على أصوات 49% من العمال و 32% من حزب الخضر وأنصار البيئة و14% من الشيوعيين وهي جميعها حركات كانت من المفروض أن تصوت بأكملها لصالح اليسار ومرشحته. هناك قناعات كثيرة في الأوساط الفرنسية بأن الساسة والتكنوقراط فقدوا القدرة على التواصل مع الناس ومشاكلهم. شارل ديغول أهم رؤساء الجمهورية الفرنسية الحديثة كان يعتقد بأهمية التطوير الإداري، وأسس مؤسسة إدارية أكاديمية لتخريج قادة فرنسا الإداريين منها (أينا) ومنها تخرج فاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك وفولبان والكثير من الوزراء ورؤساء أبرز الشركات. ساركوزي لا ينتمي لهؤلاء (النخبة الفئوية) فهو رسب في الصف السادس الابتدائي وتعثر دراسيا كثيرا بعد ذلك وبالتالي لديه القبول الشعبي بأنه ليس من المدرسة «الفوقية» الادارية (أينا) وتنتشر بين صفوف الفرنسيين والكثير من الاوروبيين (وخصوصا الانكليز) أن ساركوزي قد يكون مارغريت ثاتشـر فرنــسا وهو الذي سيكون قادرا على تفكيك الإرث الاشتراكي الاقتصادي والاجتماعي التراكمي المعقد والمعيق لتطور فرنسا ونهضتها المنتظرة، ولكن قد يكون هذا التوقع مبالغا فيه وبعيدا عن أرض الواقع. منذ أن طرح ساركوزي برنامجه الانتخابي والمبني على فكرة Larupture وهي فك القيود تماما مع كل مقومات دولة الضمان الاجتماعي والتي يلومها لتعثر فرنسا الاقتصادي، والكل يحاول معرفة اتجاه فرنسا المستقبلي وتوقع نتائجه.

لمن يعرف تركيبة فرنسا الســياسية والصلاحــيات الممنوحة لرئيسها يدرك أن لديه صلاحيات واسعة جدا، كحل البرلمان، والاستفتاء على مسائل مهمة وتحكم مطلق بالسياسة الخارجية ولكنها صلاحيات فيها نكهة «الملكية المنتخبة» وهذا يعني مساءلته أمام الشعب بأكمله مما يجعل إقدام ساركوزي على «اصلاحات وإعادة هيكلة حادة» أمرا مستبعدا، ولذلك سيكون عليه أن يقدم هذه المسألة لرئيس وزرائه للمغامرة بها، وقد تحرق أصابعه تماما مثل ما حدث مع آلان جوبيه وفولبان في عهد الرئيس الحالي والمنتهية مدته جاك شيراك. سيكون تحديا لافتا كيف سيستطيع نيكولا ساركوزي المعروف بحدته وديكتاتوريته أن يوازن بين متطلبات المنصب ومتطلبات برنامجه، وبين مكانة فرنسا في أوروبا وموقعها في العالم وعلاقتها بأمريكا (كبلد وإدارة ودستور) لا مع إدارة متطرفة تواجه العد التنازلي لانتهاء مدتها، وسقوط غير مسبوق في درجة الرضا عن أدائها شعبيا وعالميا. وكذلك سيكون جديرا بالمتابعة وضع ساركوزي داخل أوروبا نفسها، في ظل تزايد واضح لثقل المانيا ورصانة المستشارة ميركل وقرب وصول خليفة توني بلير الى سدة الحكم.

أوروبا الى تغيير، فكيف سيتعامل ساركوزي مع كل ذلك، أما بالنسبة لساركوزي والشرق الأوسط فهو سيتبع بوصلة الخط الأمريكي الحالي وقد أعلن ذلك بوضوح.

[email protected]