البركة في حليب الناقة

TT

هناك بعض الناس لديهم منتهى الشجاعة في تناول مختلف الأطعمة والأشربة، ويستمتعون بكل ما هو جديد ومختلف وغريب، بعكسي أنا تماماً الذي ليس هناك من هو أجبن مني في هذا المجال.

وعادات الشعوب في أنواع الأكل لها أول وليس لها آخر، وكذلك في الشرب، فهناك من يشرب حليب الخيل، وهناك من يضع الدود بالمسكر ويشربه، بل وهناك من يشرب الدم.

وقد حدثني أحد الإخوة العرب عن موقف محرج حصل له، وهو يعمل موظفاً ومترجماً في شركة أوروبية كبيرة، وكانت هناك صفقة مهمة للمعدات الثقيلة مع إمارة خليجية، وتحدد الموعد، وتوجهوا بطائرة خاصة إلى تلك الإمارة، وكان الموعد للالتقاء بالمسؤول الكبير مساء في قصره. وصلوا إلى هناك وانتظروا وطال انتظارهم، وبعد فترة أتاهم رجل التشريفات قائلاً: إن المسؤول الكبير يعتذر لكم عن التأخير لانشغاله في مناسبة ولكنه سيحضر، وطلب منهم أن يتفضلوا على سفرة العشاء.

ويقول: الواقع إنني كنت مرهقاً وجائعاً، وما كدت أجلس حتى أخذت آكل من كل ما لذ وطاب، واتبعت ذلك بكوب كبير من الحليب البارد، وأعجبني طعمه فطلبت كوبا آخر وشربته.. وما أن انتهينا وإذا بالمسؤول الكبير يحضر، سلمنا عليه ثم جلسنا للاجتماع أمامه وكنا ثلاثة، وفتحنا الدوسيهات والأوراق والكاتلوغات، وبدأ المدير (الخواجة) يتكلم وأنا أترجم، وما هي إلا برهة وإذا بمعدتي تضطرب، ومصاريني (تقرقر)، وتأكدت أن هناك مصيبة على وشك الوقوع، وكنت بين أمرين أولهما فضيحة وثانيهما هروب، وفعلاً ومن دون أن أكمل كلامي أو استأذن انطلقت راكضا للحمام وسط ذهول الجميع، وبعد أن قضيت حاجتي واسترحت رجعت عائداً، وقبل أن أصل لهم بعدة أمتار وإذا بفيضان (تسونامي) آخر يجتاح بطني، فصرخت لا شعورياً وقفزت للخلف وأعطيتهم ظهري وركضت مرة أخرى للحمام، عندها تأكد لي أنني في ورطة حقيقية. طبعاً استغرب المسؤول الكبير وغضب غضباً شديداً، واستدعى أحد رجاله الذي يتكلم الإنجليزية، وقال لمدير الشركة: إن ما حصل من مترجمكم المجنون اعتبره إهانة لا أقبلها، والآن خذوا أوراقكم فلقد ألغيت الصفقة وعليكم المغادرة غداً، وقام من مكانه وخرج.

وأتى المدير يقرع على باب الحمام ويشتم ويلقي علي قراره بفصلي عن العمل، طبعاً رفضت الخروج، وأتى بعض المسؤولين بالقصر محاولين إقناعي بالخروج، بل إن أحدهم هددني بكسر الباب، فقلت له: إن ذلك ليس في صالحك لأنك أول من سوف يتأذى.. غير أن أحدهم كان ذكياً، وسألني: هل شربت الحليب؟!، قلت له: نعم، قال: خلاص عرفنا السبب.. وتركوني ملطوعا بالحمام وذهبوا، وبعد نصف ساعة تقريباً وبعد أن أحسست بالراحة، وأنني خالي البطن، وإذا بي اسمع حركة ثم تخبيط على الباب، ساعتها تغسلت وخرجت، وإذا بهم يأخذونني إلى المجلس من جديد، ويبدو أنهم اتصلوا بالمسؤول الكبير هاتفياً وأخبروه بالسبب، فرجع ورأيته واقفاً يضحك، وقال لي: هل أنت لأول مرة تشرب حليب الناقة؟! عندما سمعت سؤاله كاد يغمى علي، ثم أردف يقول: إنني أشرب دائماً حليب النياق ولا يحصل لي شيء، فقلت له: إن معدتك يا طويل العمر هي معدة بعير، فأخذ يضحك قائلاً: لا إنها طبيعية ولكن المهم التعود، ولا أطيل عليكم فقد فازت الشركة بالصفقة والبركة (في حليب الناقة).

[email protected]