هل الزواج مهنة؟

TT

رغم احترامي الشديد لصاحبة أشهر صالون أدبي نسائي في مدينة جدة، وعضو الدائرة الاجتماعية لتنمية منطقة مكة المكرمة، مها أحمد فتيحي، أعلنها صراحة أنني لم أفهم ماذا تعني حينما وصفت الزواج بأنه «مهنة» في ندوة عقدها المركز الطبي الدولي بجدة قبل نحو ثلاثة أسابيع، فرغم كل ما يرتبط بالمهن الشريفة من تقدير واعتزاز وفخر، إلا أن للزواج قدسيته الخاصة التي تتجاوز إمكانية إدراجه في قائمة المهن مهما علا شأنها، فالزواج يتضمن روابط روحية ونفسية وعاطفية، ويستهدف مودة ورحمة وألفة، ويتعامل مع جوانب إنسانية حميمة جدا، لا تنشأ مثلها في علاقة الكهربائي، والجزار، والبناء، والحداد، والمهندس، والحلاق، وغيرهم من المهنيين مع مهنهم أو مع المتعاملين معهم.. فالنظر إلى الزواج كمهنة يهبط به من سموه وعليائه، ويضر بفلسفته وغاياته ومثالياته..

وتمتد الضبابية التي تحول دون اكتمال فهمي إلى بعض مما قالته «مها» بعد ذلك، ونشرته صحيفة «الوطن» السعودية ـ بتاريخ 29/4/2007 ـ إذ قالت: «إن كثيرا من الأزواج يقعون في مصيدة الارتباط بالعائلة الكبيرة على حساب العائلة الجديدة مما يعوق نمو العائلة الجديدة بالشكل الصحي السليم»، وتورد الصحيفة أنها ـ أي مها ـ أكدت: «ان تمرس الشريك وتعوده على الاستقلالية عن العائلة والمدرسة والأصدقاء والمجتمع والعمل والمدرسة يجعله إنسانا جديدا قادرا على بناء نواة جديدة للمجتمع لها كيانها الخاص المستقل».. وأنا لا أعتبر الارتباط بالعائلة الكبيرة مصيدة، ولا معوقا لنمو العائلة الجديدة، كما لا يأتي ـ في الممارسة الناضجة ـ على حسابها.. ولنتوقف قليلا عند قولها: «إن تمرس الشريك وتعوده على الاستقلالية عن العائلة والمدرسة والأصدقاء والمجتمع والعمل والمدرسة يجعله إنسانا جديدا قادرا على بناء نواة جديدة للمجتمع لها كيانها الخاص المستقل»، والاستقلالية هنا مصطلح مطاط قد يفهم منه البعض التمرد أو القطيعة، وإن كنت أحسن الظن في «مها» وفي نبل غاياتها، ولا أظنها تذهب إلى ذلك المراد بقدر ما تعني تنمية اعتماد الفرد على ذاته، وأن تكون له رؤاه الخاصة، بعيدا عن النمطية السائدة، وإن كان مصطلح الاستقلالية ـ الذي ورد إلينا ضمن منظومة مبادئ التربية الحديثة ـ مصطلح مشوش ذهب «البعض» في فهمه وتطبيقاته، حتى في الغرب نفسه إلى تخوم بعيدة، ليغدو المسؤول عن حالات من التفكك الأسري، والتمرد المبكر على السلطة العائلية الضابطة، وتكثيف أنانية الفرد، وغير ذلك من المثالب التي علقت ببعض جوانب التربية الغربية.

وأخيرا: أتمنى أن يكون العامل في ضبابية الفهم الاختصار الذي تلجأ إليه الصحافة مضطرة في بعض الأحيان لضيق المساحة، وأن لا يكون قصور فهمي وحده السبب، أو أن تكون «مها» قد تعثرت في عرض أفكارها بالقدر الكافي من الوضوح.. فالأمر لا يخلو من واحد أو أكثر من هذه الاحتمالات الثلاثة.

[email protected]