نحن (اللامنتمي) والأدباء الساخطون!

TT

من قراءة سريعة لموضوع أعرفه تماما وبكل تفاصيله ومقدماته وخواتيمه: أدب الشبان الساخطين. لقد أصدر عميد السخط في الستينات في بريطانيا كولن ولسون كتابه البديع «سنوات السخط». وحكى كيف أنه لم يدخل الجامعة وأنه بدأ الكتابة شاباً صغيرا.

ثم أصدر كتابه الممتع «اللامنتمي». وقد ظهرت الترجمة العربية لهذا الكتاب. أما الذي اختار هذه الكلمة فهو أديب عراقي اسمه أنيس زكي حسن. وكان الاختيار بارعاً وقد استخدمنا هذا التعبير وراءه..

حتى عندما أصدر الكاتب الوجودي ألبير كامي رواية «الغريب» قلت وقلنا، بل الأفضل أن يقال اللامنتمي. وهو يقصد بهذه التسمية الإنسان الذي لا تربطه بالواقع صلة مادية. إنه موجود وبس وليس مرتبطاً ولا ملتزما. إنه يفعل ما بدا له، وما بدا له هو الذي يهمه وليس ما يبدو لغيره. والأديب كولن ولسون عرف الجوع والبطالة والنوم في الشوارع، فقد اشترى كيسا ينام فيه أمام البيوت، فلما جاء الشتاء كان ينام في الإصطبلات. ويوم جاء أبو صديقته ومعه كرباج وقال لها: هذا الذي اخترته شاذ جنسيا. والحقيقة أنه ليس كذلك، وإنما وقعت في يده أوراق مذكرات لرواية لم يكتبها كولن ولسون بعد.

وبعد أيام من صدور كتاب «اللامنتمي» ظهرت مسرحية أديب ساخط آخر هو جون اسبورن عنوانها «انظر وراءك في سخط».. وكانت صرخة في وجه المجتمع البريطاني.. وفي ذلك الوقت ظهر ناقد شاب فذ هو الذي قدم هذه المسرحية على أنها أروع ما عرفت اللغة الإنجليزية في خمسين عاما ـ إنه الناقد كينيث تاينان..

وكما كنت داعية للفلسفة الوجودية، كنت أيضاً للأدباء الساخطين. فهناك وجوه شبه بيننا كثيرة، فكلنا نقيم تماثيل من الذهب للحرية الفردية والمسؤولية مهما كانت ثقيلة، فليس مسؤولا من لم يكن حرا وليس حرا من يفعل وكأنه يضع دستوراً للبشرية. وقالوا عنهم وعني: ملحدون منحلون، ولا كنا منحلين ولا نحن كفرة. وإنما نقول لا، ونكون رافضين لأفكار كثيرة، ونقول نعم لأفكار وقضايا ومبادئ أكثر. ولم نتفرج على الدنيا في ذهابها وإيابها.. وإنما كان ولا يزال لنا رأي، وقدرة على التعبير والأمل في التغيير.