نشوة العروس

TT

العالم يرمز للسلام بالحمامة ومعها غصن الزيتون، وأضيف لهما من عندي (البنطلون)، وعصا (شارلي شابلن)، والصليب المعقوف (لهتلر)، وإذا أردتم (بونبون) الأطفال كذلك.

إخواننا أهل مصر، أرض الكنانة، يحبون أكل الحمام (بالفريك)، وأنا أحب منظر الحمام وهو محلّق في السماء، وكذلك (الزغاليل) من إناث البشر.

الحمام له خِصال كخصال البشر، فمن ذكورها هناك المتسلّط (كحالاتي)، والعربيد، والمخاتل، والجبان، والآكل (للفطير ثم يطير).. ومن إناثها هناك المغناج، والبليدة، واللعوب، والفاتنة، و(منتوفة الريش مع الذنب) كبعض النساء تماماً بتمام.

وبعض الحمام تلتصق أنثاه بالذكر، كما أن الذكر يلتصق بالأنثى طوال حياتهما، مثلما يلتصق بعض الأزواج من البشر ببعضهما البعض، وكأن (لزقة جونسون) قد طوّقت ظهريهما وبطنيهما وشدت عليهما شداً، ولا يفرق بينهما غير الموت، وذلك بعد أن (يتفسّخا) وتظهر ريحتهما.

والحمامة إذا ظفرت بذكرها تصيبها ـ يا سبحان الله ـ نشوة عارمة كنشوة العروس في ليلة عرسها.. عندها يبدأ الغزل بينهما، والحكحكة، وقلة الأدب بشكل فاضح لا تستطيع أي قناة فضائية مبتذلة أن تعرضه على شاشتها.

وقد سبق لي أن وقفت على ذلك، وشاهدته (بأمّ عيني)، وبعد أن تأكدت من ذلك، تواريت سريعاً من شدّة الخجل، وقد كررت مشاهدتي تلك عدّة مرات، ليزداد تأكدي ويزداد خجلي.

وأخبرني بائع حمام أن الذكر من هذا الصنف له (مزاج) كمزاج الرجل (بالزبط) ـ على حدّ قوله ـ فسألته: يعني مثل مزاجك؟!، فضحك وقال: (يا ريت)، فمزاجي يا باشا (زيّ الزفت)، فسألته: خير إن شاء الله؟! فضحك أكثر وقال: تعالى وشوف (الوليّة) لتتف بوجهي، فقلت له: حاشا لله، إن شاء الله تقبرها أنت بيدك، فقال: من بقّك لباب السما، فرفعت يدي داعياً.

غيّر هو الموضوع وأشار لذكر (مكلبّز) من الحمام وقال: إن هذا الذكر الذي تراه، استلفه مني أحد الأصدقاء لتحسين نسل حمامه، وعرض عليه مجموعة من ملكات الجمال من إناث الحمام، غير أنه لم يقبل ولا واحدة منها، وظل طوال أكثر من شهر وحيداً كئيباً، وخلال هذه المدة أتيت بذكر آخر ووضعته مع أنثاه، غير أن الحمامة الزوجة المصونة كادت أن تموت في الدفاع عن نفسها وشرفها، وعندما عاد الزوج وشاهد الذكر الآخر عند زوجته، حاول أن يقتحم القضبان ويحطمها من شدة الغضب والهياج، وما أن فتحت باب القفص حتى انقضّ كالصقر على غريمه، ولولا أنني خلصته منه، لكان قد قضى عليه، ثم اتجه للحمامة (وليفته)، وأخذ ينقرها وهي مستسلمة، ويخاطبها بأصوات وكأنه يعنّفها ويعاتبها، وهي ترد عليه بأصوات وكأنها تقول له: بريئة، والله بريئة، غير أنه يعاود النقر من جديد وكأنه لا يصدقها، إلى أن يتعب ويهدأ قليلاً، وأخيراً يعود له عقله وضميره، فيقترب منها فارداً جناحه على ظهرها بكل تودّد وكأنه يقول لها: متأسف (حقك عليّ)، هاتي بوسة، وسرعان ما يعانقها، فتبادله هي العناق بعناق أعنف، وتعلّق أقدامها في صدره من شدّة الحماسة!

وينامان ليلتهما كأي زوجين من أزواج البشر، لكن على الأرض لا على سرير.

[email protected]