«بزنس» القضية «الولاَّدة»

TT

لم يمض وقت كبير على المواجهات الدامية التي حصلت في المخيمات الفلسطينية بلبنان، بين فصيل إرهابي متطرف وبين الجيش اللبناني، ولحقتها سلسلة من التفجيرات المتفرقة في مناطق مختلفة من العاصمة بيروت، حتى ظهر بيان يوضح مسؤولية منظمة «جديدة» اسمها «فتح الاسلام» عن هذه الأحداث والعمليات. وطبعا سرعان ما ظهرت أصوات عديدة ومختلفة، توضح أن هذه المجموعة لا علاقة لها بالفلسطينيين ولا علاقة لها بالإسلام، وإذا ما افترضنا أن هذه المجموعة هي من تنزانيا، وهي بوذية الديانة فهل نستطيع التعامل مع هذه المشكلة بوضوح أفضل وحساسية أقل؟ لا أظن! المسألة أن القضية الفلسطينية تحولت بفعل مجاميع متزايدة الى مصدر رزق وسبب للوجود، وبات المتحدثون باسمها والمدافعون عنها يتكاثرون كالأرانب في فصول الربيع.

«فتح الاسلام» مثلها مثل «فتح الانتفاضة» و«جند الشام» كلها مجاميع إرهابية صنيعة تنظيمات متطرفة، منها ما يتبع أجهزة استخبارات متمرسة، ومنها ما يتبع تنظيمات إرهابية معروفة كتنظيم «القاعدة». ولكن جميعهم يستخدمون نفس الاسطوانة المشروخة، إنهم يفعلون كل هذا لأجل تحرير فلسطين والقضاء على العدو، وهم يقومون بقتل وجرح بني جلدتهم بأعداد هائلة، وإثارة للذعر والرعب في بلادهم بشكل غير مسبوق، كل ذلك لأجل هدف ترويجي مقبول لدى الكل، ولكن يبقي فعليا مجرد شعار فارغ. القضية الفلسطينية قضية «مغرية»، وهي قصة مثالية تغري كل من لديه مآرب أخرى أن «يركب موجة» الانغماس في الدفاع عنها، وتحقيق مقاصد أهدافه الخاصة، وهناك أعداد غير بسيطة من الافكار والأنظمة والأحزاب والدول بنت مجدها وإرثها كله على المسألة الفلسطينية، ودعوى الدفاع عنها في سبيل تكريس سلطاتها وجبروتها، مثلما انتجت «القضية» أبو نضال وأبو عباس و«الجبهات» بشتى أشكالها من شعبية وديمقراطية وأهلية واشتراكية، والتي لها سجل مشرف من الاقتتال الأخوي والنيران الصديقة التي أودت بحياة أرتال من البشر الأبرياء.

الأحداث اللبنانية الأخيرة (وهي لن تكون الأخيرة) تستوجب النظر فوق العواطف وبعيدا عن الشجون في أحقية التحدث باسم فلسطين والفلسطينيين، ومن لديه الحق في حمل مفاتيح الحل والعقد في ذلك الأمر الخطير، حتى لا يصبحوا هم أنفسهم وقودا جاهزا لكل نار فتنة تشتعل. بزنس القضية الفلسطينية كان مربحا لفترة، ولكن باتت تكلفته باهظة الثمن وعالية التكلفة، ولعل الخاسر الدائم والأكبر هو القضية النبيلة نفسها. لبنان اليوم يعود لدفع فاتورة بزنس القضية، ومن يدعي الانتماء اليها بشتى صورها، ولكن يدفعها وحده والقضية تخسر التعاطف والدعم المطلوب برعونة غير عادية. والمشاهد الحزينة لا تزال مستمرة طالما استمر الوجود المتطرف الديني والسياسي يستغل فلسطين وقضيتها لتحقيق المآرب الخبيثة الخاصة.

[email protected]