لا تمييز ولا عنصرية في البركات

TT

في هذه الأيام التي يتقاتل فيها الناس لأسباب طائفية أو دينية آو إثنية، علينا أن نتذكر أن الأمر كان على خلاف ذلك في ما سلف. مما نتذكره من هذا أن كثيرا من العتبات المقدسة اشترك فيها المسلمون والنصارى واليهود. اعتادوا على زيارتها سوية في كثير من أرجاء العالم الإسلامي. أذكر من ذلك الكفل والعزير ويونس في العراق. من مظاهر هذا التسامح، أن كثيرا من المسلمين كانوا ينشدون المكرمات في الكنائس، وغالبا ما اعتمدت المسلمات والمسيحيات على وصفات رجال الدين اليهود. وكان أبو شمسة من «الحكيمين» اليهود الذين اعتمد الناس في بغداد على طبهم كلما استعصى الداء على الأطباء. وتروى حكايات عجيبة عن نجاحه في شفاء الميؤوس منهم.

وفي مقابل ذلك كان هناك الملا جواد، رجل الدين والحكيم المسلم الذي اعتقد بطبه المسيحيون واليهود بالإضافة للمسلمين. ذاع صيته بالتمائم التي كان يعطيها لبسطاء الناس. الملا جواد! من لم يسمع باسمه في الثلاثينات والاربعينات؟ ذاع صيته بحيث أصبح مثلا يضرب على حل كل مشكلة مستعصية. تسمعهم يقولون إن الإرهاب الشائع في البلاد الآن لا يحل مشكلته غير ملا جواد! اعتادت المرأة العاقر على زيارته ليساعدها على الحمل مثلما اعتاد الرجل العنين على مراجعته ليعطيه القوة والقدرة.

كتب الكاتب اليهودي اسبرانس موريه كوهين فقال إن الجمهور من سائر الأديان اعتادوا على التزاحم على باب غرفته. ترى المسلم يخلي مكانه ليهودية عجوز، وترى اليهودي يقدم شرابا حارا لمسلم أو مسيحي مريض ينتظر دوره.

كان ممن آمن به السيدة نعيمة، إحدى الموسويات من محلة أبو سيفين. كانت لها واحدة قريبة لها لكنها كانت علمانية ولم تؤمن قط بغير العلم والطب الحديث. كانت لمارسيل أربع بنات وصبي واحد كان بمثابة رأس القلادة لأي عائلة موسوية. وإذا بصروف الدهر تصيبه بمرض معدة أعجز الأطباء. زارتها قريبتها نعيمة وأشارت عليها بأخذه للملا جواد ليقرأ على رأسه. استسخفت مارسيل الفكرة، ولكنها في حيرتها ومحنتها استسلمت لها في الأخير. فقرأ الملا شيئا من الأدعية على رأسه ثم كتب له تميمة يضعها تحت الوسادة.

فعلت ذلك وإذا بصحته تتحسن من يوم الى يوم حتى شفي كليا. بالطبع عزت نعيمة هذا الشفاء لفعل الملا جواد ولا غيره، وحين ظلت مارسيل متشككة في الأمر، اتهمتها قريبتها بنكران الجميل.

مرت الأيام و صحة الطفل تتحسن باستمرار ولم تعد به حاجة للتميمة. فكرت مارسيل بفتحها وقراءتها. فعلت ذلك وفضت الورقة. وإذا بكل ما ورد فيها لا يتجاوز حروفا بدون أي معنى أو أساس: طا..طو..طي... طي ..طا.. طو...

ولكن ماذا يهم. لقد شفي الطفل اليهودي، وهو كل ما كان يهم المرأة من أمره.