نجاد وصناعة القرار.. بين الجدية والتخبط!

TT

خلال الشهرين الماضيين اتخذ محمود أحمدي نجاد أربعة قرارات خلقت كلها مشاكل وأدت الى إثارة كثير من الأسئلة. فلم تنتقد قراراته الأحزاب والسياسيين الإصلاحيين فقط، وإنما انتقدها كذلك الأحزاب والسياسيون الذين اعتادوا الدفاع عنه بقوة.

وقد كتب مسيح مهاجري، رئيس تحرير صحيفة «جمهوري إسلامي» وهي أقدم صحيفة، مقالة انتقد فيها قرارات نجاد. وجاء في المقالة «إن أحمدي نجاد بحاجة الى أن يفكر بشأن قراراته. وعلى سبيل المثال فقد ذهب الى مدينة عبادة في محافظة فارس. وفي منتصف محاضرته ابلغ الجمهور عندما سئل عن نسبة منطقة خسرو وشيرين الخصبة جدا الى عبادة، أجاب بأنه لا مشكلة في ذلك ووعدهم بسخاء بمنحهم منطقة خسرو وشيرين». وكانت بداية أزمة في ايغليد. فقد كانت هناك مظاهرة حاشدة ضد محاضرة وقرار نجاد. ويعود السبب الى ان منطقة خسرو وشيرين تعود الى منطقة ايغليد وان هذه الخطوة أثارت الكثير من ردود الأفعال السياسية والاجتماعية.

وكان القرار الثاني أمر نجاد بطرد المدير والمستشار التنفيذي لمعهد التأمين في ايران. واعتمد قراره على معلومات كاذبة وإساءة تفسير لمعلومات أخرى. غير انه بعد يوم من ذلك ونتيجة لمعرفته أن المعلومات التي قدمت له كانت كاذبة، لم ينفذ قراره.

وكان القرار الثالث رحلته الى الإمارات العربية المتحدة من دون إعداد القضايا التمهيدية. ومن الواضح أن لدى ايران والإمارات العربية المتحدة خلافات جدية حول جزيرتي طنب وأبو موسى. وكانت تلك هي الرحلة والمبادرة الأولى لرئيس إيراني الى الإمارات بعد الثورة الإيرانية. فماذا كانت الحصيلة؟ منطقيا يتطلب هذا النوع من الزيارات نقاشات مطولة قبل حدوث الزيارة، ولا بد أن تكون للرحلة نتائج واضحة.

وأما القرار الرابع فهو قرار نجاد حول دعوة الحكومة الى تقليص أسعار الفائدة المصرفية. واعتمادا على القانون الايراني فان مجلس النقد والاعتماد في البنك المركزي الايراني مسؤول عن اتخاذ القرارات حول اسعار الفائدة. ولكن الرئيس الايراني خفض يوم 22 مايو الماضي أسعار الفائدة من 17 في المائة الى 12 في المائة.

ونقل عن غلام حسين إلهام، المتحدث باسم الحكومة، قوله انه «بقرار الرئيس النهائي خفضت أسعار الفائدة في البنوك الحكومية بنسبة 2 في المائة، وفي البنوك الخاصة بنسبة 5 في المائة، حتى يتمكن مختلف الناس من الاستفادة من التسهيلات المصرفية، وتتزايد المنافسة الفعلية بين البنوك الحكومية والخاصة». ومن ناحية أخرى قال البنك المركزي الايراني الأسبوع الماضي إن التضخم سيرتفع بنسبة 17 في المائة في السنة الإيرانية الحالية حتى مارس المقبل، مما يشير الى ارتفاع بنسبة 3.5 في المائة بالمقارنة مع السنة السابقة.

وانتقد عدد كبير من الاقتصاديين هذا القرار وحذروا من أنه سيطلق عددا هائلا من طلبات الحصول على القروض ويخفض مستويات المدخرات المصرفية، وحذروا من أن الحكومة ستتسبب في رفع نسبة التضخم بسبب سياساتها التوسعية والإنفاق الواسع لتنفيذ وعودها التي قطعها نجاد خلال زياراته لعدد من المحافظات. وعبر الدكتور شيركافاند، نائب وزير الاقتصاد في حكومة الرئيس السابق خاتمي، عن قلقه من تنامي التمويلات المالية الذي يعد مؤشرا أساسيا لمسارات التضخم المستقبلية والتي من المتوقع أن تصل إلى 40 في المائة.

لكن مركز البحث الخاص بالبرلمان توقع أن تصل نسبة التضخم إلى 23 في المائة هذه السنة بعد ارتفاع حاد في أسعار الخدمات والأطعمة، خصوصا بعد فترة السنة الإيرانية الجديدة في مارس. واليوم يجد الناس أن معدلات أسعار كل المواد في تصاعد كبير أيضا، فعلى سبيل المثال أسعار المنازل في طهران والمدن الكبرى تضاعفت مرتين عما كانت عليه السنة الماضية.

ويبدو أن حكومة أحمدي نجاد تواجه أكبر مشكلة في إيران وهي الاقتصاد، خصوصا ارتفاع البطالة والتضخم. في البداية كان هناك النفط ووعد نجاد في البداية بأن عوائد النفط ستوضع على طاولات الإيرانيين، وهذا ما ساهم كثيرا في فوزه بانتخابات الرئاسة عام 2005. إذن أين الخطأ؟ أظن أن السبب الأساسي هو غياب الخبرة. فمثلا معدلات الفائدة في البنوك تم تخفيضها بـ 2 في المائة، لكن التوسع الهائل في القروض دفع الحكومة لسحب 5.1 مليار دولار من احتياطي العملة الأجنبية، وفي حالة أخرى زادت الجمارك على السلع الأجنبية بنسبة 5.2 في المائة، وهذا ما أدى إلى زيادة في أسعار السلع الاستهلاكية بمعدل 1.5 في المائة. وقال محمود خوشره، المستشار السابق لأحمدي نجاد والنائب حاليا، إن 100 ألف شخص تم تسريحهم من وظائفهم منذ مارس الماضي والكثير من الذين يعملون حاليا لن يحصلوا على زيادة في رواتبهم أو أنهم لم يحصلوا على رواتبهم لعدة أشهر.

كذلك تسبب أحمدي نجاد في مشاكل جديدة يومية مثل منع صحف الطلبة وسجن طلبة ونساء، ووضع قيود على النشاطات السياسية مثل نشاطات حركة الحرية التي يقودها نهزات آزادي، وهو الحزب الذي أسسه الراحل بزركان، أول رئيس وزراء بعد الثورة. وهم لم يتمكنوا من تنظيم جلسة للاحتفال بيوم تأسيس الحركة.

وستواجه إيران اليوم قرارا جديدا من مجلس الأمن الدولي. ان أحمدي نجاد يخلق مشكلة جديدة لإيران كل أسبوع. وهذا هو نوع الحكومة التي تفتقد الخبرة.