سي «السيد» السياسي!

TT

شخصية السيد عبد الجواد في ثلاثية الأديب والروائي العالمي نجيب محفوظ، التي برزت في ثلاثية ذائعة الصيت، تحولت الى رمز للاستبداد والتمسك بالرأي مهما كان، واليوم تظهر حالة على الساحة السياسية اللبنانية، تذكرنا بتلك الشخصية الأسطورية، وهو الدور الذي يقوم به السيد حسن نصر الله عموما، وتحديدا في مواجهة الجيش اللبناني أمام الحركة الارهابية الأخيرة «فتح الاسلام» وهي المواجهة التي أودت بحياة ما يقارب الثلاثين شخصا من الجيش اللبناني بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار أو سبب، ومع ذلك وجد نصر الله سببا لأن يصرح بأن «اقتحام المخيم يعتبر خطا أحمر»، والمخيم المعني هنا هو مخيم نهر البارد، ثاني أكبر مخيمات إيواء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ومن المؤسف والحزين انه كيف تصل الأمور برموز البطولة والمقاومة في عالمنا العربي لمستويات حزينة؛ فهذا الرجل الذي كان رمزا لمقاومة وطنية تقاتل هدفا واحدا لصالح تحرير أراضي بلاده، بات اليوم أداة في أيادي غيره، وباتت معاركه ضد رئيس الوزراء في بلاده، معركة جند لها كل غال وكل رخيص وكأنها المعركة الأهم والأسمى، والآن ها هو نفس الرجل يوجه رصيده المتناقض للدفاع عن مجموعة إرهابية لا مؤيد لها ولا متعاطف معها.

«ضيعانو» هذا المجد الذي ذهب وهذا الرصيد الآخذ في الاختفاء. لبنان كان في يوم من الأيام له دور أشبه بدور «هونغ كونغ» مع الصين الشيوعية؛ فهي نافذة الاقتصاد وحركة رأس المال الحر التي يستفيد منها الغير، والآن وفجأة تحول الموقع اللبناني الى ما يشبه دور «تايوان» بالنسبة للصين، وهي المقاطعة «المتمردة الخارجة» عن النظام والدولة الأم.

المشهد اللبناني بعمومه مشهد حزين جدا، مشهد اختلطت فيه الأوراق وتغيرت خريطة اللاعبين وأهداف اللعبة نفسها. ومما يبدو أن هناك سباقا (غير معلن ولا مصرح النوايا) على رئاسة الجمهورية اللبنانية نفسها، بين التيار الوطني بقيادة «المتعطش» الأول للمنصب العماد ميشال عون، وبين السيد حسن نصر الله نفسه الراغب في «إعادة» قراءة الدستور اللبناني (غير المكتوب)، ليعكس واقعا ديموغرافيا جديدا، واقعا للطائفة الشيعية؛ حصة سكانية كبيرة (قد تكون الأغلبية في بعض التقديرات)، نعم هذا هو السيناريو «الخفي» الذي يبدو أن لبنان اليوم مقدم عليه، وإعادة التمركز في المواقف هي لكسب «شعبيات» وتسجيل نقاط في سباق «اللعبة» السياسية اللبنانية الكبرى. ولكن تبقى المقولة صالحة على مدى الزمان؛ وهي أنه لا يصح إلا الصحيح، وإنه مهما كان هناك من مبررات إلا أنها لا تبرر السماح بشبهة الدفاع عن ثلة من «الزعران» أمثال منظمة «فتح الاسلام» الارهابية.

[email protected]