كنت مخطأ.. النظام الإيراني يخاف من ظله!

TT

هل كنت مخطأ بخصوص ايران.. لقد كنت اعتقد ان النظام قوي ويتمتع بثقة ذاتية، وشعرت انه ازداد قوة منذ دمرنا عدويه الاساسيين طالبان وصدام. إلا ان ذلك كان بعيدا عن الحقيقة. فهذا النظام الايراني يخاف من ظله. كيف عرفت ذلك؟ لقد ألقى القبض أخيرا على جدة في السابعة والستين من عمرها، واتهموها بمحاولة اسقاط النظام بتنظيم مؤتمرات اكاديمية.

نعم لقد اصدر الرئيس المتشدد محمود احمدي نجاد ـ الرجل الذي اظهر لنا مدى تشدده بإعلان ان الهولوكوست مجرد خرافة ـ اوامره بالقبض على هالة اصفندياري، وهي عالمة وجدة وتحمل جنسية ايرانية ـ اميركية مزدوجة، خلال زيارتها لأمها، 93 عاما، في طهران. هل تعرف مدى اصابتك بجنون الارتياب لكي تعتقد ان جدة في هذه السن تزور أمها يمكنها اسقاط نظام الحكم؟ هذا هو عدم الشعور بالأمان.

وهو امر مخجل ايضا. فاصفندياري تدير برنامج الشرق الاوسط في مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء في واشنطن. وقد ذهبت لإيران في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي لزيارة امها العجوز ـ وهي رحلة تقوم بها بطريقة منتظمة طوال العقد الماضي. وطبقا لزوجها شؤول بخش، وهو خبير ايراني معروف في الولايات المتحدة، انه خلال توجه هالة الى مطار طهران في 30 ديسمبر، للعودة الى الولايات المتحدة، اوقفها ثلاثة رجال ملثمين، يحملون سكاكين ـ وزارة الاستخبارات الايرانية تستخدم ثلاثة رجال وثلاث سكاكين عند مواجهة جدة ـ وسرقوا ممتلكاتها وجوازيها الايراني والأميركي.

وتبع ذلك 6 اسابيع من التحقيقات المتقاطعة من قبل وزارة الاستخبارات. ثم في 7 مايو (أيار) تم القبض عليها.

وفي يوم الثلاثاء، وجه اليها الاتهام بأنها «تعرض الامن القومي للخطر عبر الدعاية ضد النظام والتخابر لحساب الاجانب» طبقا لما قاله المتحدث الايراني ـ من الواضح بسبب عملها في تنظيم مؤتمرات اكاديمية للخبراء الايرانيين والاميركيين.

لماذا تفعل القيادة الايرانية مثل هذه الاشياء؟ لان الاجنحة المتشددة تخشى العلاقات مع الولايات المتحدة وتريد خنق الحوار الايراني ـ الاميركي الذي بدأ هذا الاسبوع في بغداد. وملالي ايران المتشددون، مثل كوبا، ينتعشون بالدخول في مصادمات مع اميركا. فالنزاع يمنحهم منزلة بين الدول المعادية لأميركا، والحظر الذي نفرضه يسمح لهم بتبرير أدائهم الاقتصادي الضعيف، و«تهديدات» الولايات المتحدة الحقيقية وغير الحقيقية، تسمح لهم بضرب كل الانشقاقات غير الشرعية بوصفها جزءا من مؤامرة اميركية.

ماذا نفعل؟ من الواضح، ان من بين الآراء المطروحة هو ضربة عسكرية مع اثارة ثورة. ولكن ذلك يمكن ان يتركنا مع دولة أخرى غير مستقرة وفاشلة في الشرق الاوسط. وأنا لا اريد خلق عراق آخر يغلي. والرأي الثاني هو فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، لتغيير سلوك النظام. والخيار الثالث هو مواصلة الاتصال بهدف استعادة العلاقات.

وللأسف لقد اشتغلت سياسة بوش تجاه ايران بالخيارات الثلاثة، ولكنها لم تلزم نفسها بواحد منها، ونتيجة لذلك ازدادت قوة المتشددين في ايران. والطريقة الوحيدة للخروج من ذلك الموقف هو ممارسة بعض النفوذ. ومثل هذا النفوذ لا يأتي إلا من زيادة العقوبات الاقتصادية ـ ولا سيما القيام بأمر ما لتخفيض أسعار النفط، شريان الحياة في ايران ـ بالإضافة الى التواصل، مثل إعلان اننا لا نسعى لإسقاط النظام وإننا على استعداد، اذا ما حدت ايران من برنامجها النووي، لاستعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية كاملة في اليوم التالي.

وبعبارة اخرى، أملنا الوحيد سواء في تغيير هذا النظام الايراني او سلوكه، بدون تمزيق البلاد، هو عبر طبقة متوسطة ايرانية اكثر قوة، تطالب بحرية الاعلام، وسياسة المشاركة الحقيقية لجميع الاطراف وحكم القانون. هذه هي استراتيجيتنا تجاه الصين ـ ويمكن ان تعمل بطريقة اسرع مع ايران. ان اعظم فترات التغييرات السياسية في ايران المعاصرة وقعت عندما كانت البلاد تتواصل مع الغرب، ابتداء من الثورة الدستورية عام 1906.

ولسوء الحظ، فإن استراتيجية بوش ـ العزلة الدبلوماسية /الاقتصادية بالإضافة الى اسعار النفط المرتفعة ـ جمدت النظام في السلطة وحولته من نظام قمعي الى حد ما الى دولة «كي جي بي» ببرنامج نووي. ولذا فنحن نواجه الآن نظاماً ايرانياً قوياً يتسم بالارتياب.

وهو لديه الموارد لرفض العالم وتطلعات شعبه. وبالرغم، من محاولات النظام شراء شعبه بأموال النفط، فهو يعرف ان العديد منهم يزدريه. وهو يخاف من شعبه اكثر من أي شيء آخر ـ وبلغ الخوف درجة انه يجرم عمليات التبادل العلمي بين الايرانيين والاميركيين، والتي لا يمكن للنظام السيطرة عليها. ولهذا السبب، فإن جدة في السابعة والستين وجريمتها الوحيدة هي جمع الناس معاً في اماكن عامة للحديث عن بناء ايران افضل ـ تمثل مثل هذا التهديد.

* خدمة «نيويورك تايمز»