سياسة إدارة بوش «المضللة» لمساعدة الديمقراطية في إيران

TT

اتخذت المواجهة بين إيران والغرب، بعدا جديدا باعتقال طهران عددا من الأكاديميين والصحافيين والناشطين السياسيين الإيرانيين، الذين ظلوا يعيشون في الغرب لسنوات، وقاموا بزيارة موطنهم الأصلي ايران مؤخرا.

وضمن هذا السياق منعت برناز ازيما، المراسلة في راديو «فاردا»، الذي تموله الولايات المتحدة، والذي يبث برامج بالفارسية إلى إيران، من مغادرة إيران بعد أن صودر جواز سفرها في يناير الماضي. ولم يتمكن الصحافي الإيراني ـ الفرنسي مهرنوش سولوكي من مغادرة إيران منذ فبراير الماضي.

كذلك الحال مع هالة اصفاندياري مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون الدولي في واشنطن، حيث ما زالت معتقلة منذ 9 مايو.

وهناك الفيلسوف رامين جاهابيغلو، الذي سجن لفترة بعد قضائه وقتا يعمل مع المنظمة القومية للديمقراطية، وهي منظمة أخرى مركزها في واشنطن.

ما هو السبب الجوهري لهذه الاحداث؟ جزئيا هي بسبب عدم شعبية الرئيس محمود أحمدي نجاد. والمعارضة الداخلية لحكومته أصبحت في الداخل أقوى فأقوى مع إدراك الإيرانيين لمخاطر سياسته الخارجية، المستندة إلى خطب نارية وفشله في تحسين الاقتصاد الإيراني.

وفي ديسمبر الماضي، أجبره طلبة جامعيون على إيقاف خطابه حينما هتفوا: «الموت للديكتاتور». وفي البرلمان حيث يشكل مؤيدو نجاد الأغلبية، وجهت إليه انتقادات حادة وتم توبيخ وزير التعليم في الفترة الأخيرة. وخلال الانتخابات البلدية، لم يحصل المرشحون المدعومون من نجاد سوى 4% من الأصوات.

كذلك فإن المحافظين الذي يحكمون إيران أصبحوا منقسمين. فالجناح الراديكالي الذي يقوده نجاد يعارض بشدة الجناح المعتدل والبراغماتي، الذي يقوده الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يعتبر من أنصار التعايش مع الغرب.

وذكّر رفسنجاني في الفترة الأخيرة، بالكيفية التي تم بها توبيخ أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية الإسلامية، ثم تنحيته عن منصبه على يد البرلمان، لأنه «لم يكن مناسبا للمنصب»، وهي إشارة مبطنة للكيفية التي يجب وفقها إقصاء أحمدي نجاد عن منصبه.

يجب رؤية لاعتقالات الأخيرة جزئيا باعتبارها ردود فعل على هذه الأحداث. فمع عجزهم عن معالجة مشاكل إيران الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكثيرة، ومع المواجهة التي يلقونها في الداخل والخارج، يحاول المتشددون أن يخلقوا أزمة جديدة مع الغرب، من أجل لفت الأنظار بعيدا عن مشاكلهم.

وفي الوقت نفسه فإن الاعتقالات الأخيرة، وبينها اعتقال حسين موساويان، المفاوض النووي السابق والمساعد المقرب من رفسنجاني، لا بد أن ينظر اليها باعتبارها انتقاما من أحمدي نجاد ضد الطرف الأكثر اعتدالا.

غير أن السبب الأكثر أهمية للاعتقالات الأخيرة، لا بد أن تكون له صلة مع سياسة الرئيس جورج بوش تجاه ايران. وفي العام الماضي طلبت الادارة وتلقت 75 مليون دولار من الكونغرس من أجل «احلال» الديمقراطية في إيران.

وخصص بعض هذا المبلغ لراديو «فاردا» وصوت أميركا وراديو أوروبا الحرة الممولة أميركيا، وكذلك القناة الفضائية التابعة لصوت أميركا، وهي تبث برامج بالفارسية موجهة إلى إيران.

وأعطي جزء آخر من الأموال سرا الى جماعات إيرانية وشخصيات سياسية في المنفى ومنظمات غير حكومية أميركية، من أجل اقامة صلات مع جماعات المعارضة في ايران.

كما منحت مؤسسات مثل معهد واشنطن للسياسة الخاصة بالشرق الأدنى، ومؤسسة المنح القومية للديمقراطية فرصا لبعض شخصيات المعارضة والباحثين الايرانيين لزيارة الولايات المتحدة.

غير أن الاصلاحيين والجماعات الديمقراطية الايرانية، يعتقدون ان الديمقراطية لا يمكن تصديرها، ولا يمكن أن تتحقق من الخارج. انها يجب أن تنبع من الداخل. وهم يضحكون من فكرة أن يحقق مبلغ 75 مليون دولار الديمقراطية في ايران، ويعتقدون ان أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة للديمقراطية في ايران، هو ان تترك الايرانيين وحدهم يقررون مصيرهم. والحقيقة هي انه ما من جماعة ديمقراطية وقومية حقا في ايران، يمكن أن تقبل جزءا من الأموال.

ووفقا لاتفاقية الجزائر التي وقعتها الولايات المتحدة مع ايران عام 1981، من أجل انهاء أزمة الرهائن فإن عدم التدخل في الشؤون الداخلية الايرانية هو، في الواقع، جزء من التعهدات القانونية الأميركية تجاه ايران. فتلك الاتفاقية تنص على ان «الولايات المتحدة تتعهد بأن تكون سياستها هي عدم التدخل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سياسيا أو عسكريا، في الشؤون الداخلية الايرانية».

والبعد السري لتوزيع مبلغ 75 مليون دولار، خلق أيضا مشكلات كبيرة للاصلاحيين والجماعات الديمقراطية ونشطاء حقوق الانسان الايرانيين. وإذ يعرفون عدم شعبيتهم العميقة، فإن المتشددين في ايران مرتعبون من آفاق «ثورة مخملية»، وبالتالي أصبحوا مهووسين بمنع الصلات الهادفة بين الباحثين والفنانين والصحافيين والنشطاء السياسيين الايرانيين ونظرائهم الأميركيين. ويصور هذا الجزء من المجتمع الايراني في الوقت الحالي بكثير من الارتياب من جانب المتشددين.

وهكذا فإن سياسة واشنطن في «مساعدة» قضية الديمقراطية في ايران قد جرى التصدي لها. فقد بات أكثر صعوبة بالنسبة للأطراف الأكثر اعتدالا داخل تراتبية السلطة في إيران أن يجادلوا من أجل التقارب مع الغرب، ولم تحقق هذه السياسة شيئا سوى اضطهاد وسجن الباحثين والإصلاحيين، ومؤيدي حقوق الانسان الايرانيين، ممن لا يريدون علاقات أفضل بين الولايات المتحدة وإيران حسب، وإنما يدفعون الأمور ايضا باتجاه الاصلاح.

فهالة اسفندياري، على سبيل المثال، ظلت منذ سنوات مدافعة فعالة عن اقامة علاقات أفضل بين إيران، موطنها الأصلي، والولايات المتحدة، بلدها الذي تعيش فيه.

وليس هناك شك في انه يتعين على الحكومة الايرانية أن تطلق، فورا وبدون أية شروط، سراح الإيرانيين والأميركيين الايرانيين الذين اعتقلوا مؤخرا، وفي الواقع جميع السجناء السياسيين.

كما يجب على إدارة بوش، ألا تضع حدا لسياستها المضللة في «مساعدة» قضية الديمقراطية في ايران فقط، وإنما أيضا أن تعلن، في الحال، وبكل شفافية، عن المؤسسات والشخصيات التي تلقت أموالا من مبلغ الـ75 مليون دولار.

وبهذه الطريقة سيصبح جليا أن الباحثين والصحافيين والشخصيات الذين يزورون ايران، أو يدعون نظراءهم الايرانيين لزيارة الولايات المتحدة، لا علاقة لهم بالسياسة المضللة لإدارة بوش.

* شيرين عبادي محامية إيرانية حائزة جائزة نوبل للسلام عام 2003

* محمد سهيمي أستاذ الهندسة الكيماوية والبترولية في جامعة ساوث كاليفورنيا

ـ خدمة «غلوبال فيوبوينت» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)