ما بين الأمومة والتبني

TT

هذه الجريدة بستان للآراء مثل أي جريدة في حجم البساتين. وفي هذا البستان أغصان كثيرة وثمار كثيرة من مشرق العالم العربي ومن مغربه. ومن ملامحها المميزة كثرة الكاتبات. والظاهرة الأخرى أن الأكثرية من الزميلات ينتمين إلى صفحات الرأي والكتابة السياسية وليس إلى الأمومة والعطور والأزياء. وعندي حرص صادق على متابعة قلم المرأة. ولا أعتقد أنه فاتني في أي مرة قراءة صافيناز كاظم واختلاط خفة الظل بالهم القومي. ومنذ فترة طويلة وأنا أتابع مقال الزميلة هدى الحسيني وجرأتها وعمق التحليل. ويبدو لي أنها تصرف في الإعداد لمقالها الأسبوعي الكثير من الوقت والكثير من البحث والسؤال وجمع المعلومات الخاصة. وأحيانا كثيرة أرى نفسي أختلف مع صافيناز كاظم، أو أراها تختلف معي وتلمح باعتراض الى ما كتبت، خصوصا إذا كان ذلك في استنكار إعدام صدام حسين. ولكن دائما أختلف معها بإعجاب. ودائما بالانتباه الى خفة الظل التي تتكون في المصريين قبل أن يصيروا أجنة.

وتحرمني همومي الكثيرة والطاحنة والمزاج الحزين الذي وضعنا فيه لبنان، من متابعة الزميلة فوزية سلامة وأمومياتها. لكنني فوجئت بها أمس تنقل ملحق «أذواق» الى السياسة، وتتذكر 5 حزيران على طريقتها، وهذا حقها. وتلك رؤيتها. فلم يبق أحد منا إلا وتذكر أربعين الخامس من حزيران كما رآها وفهمها. لكن اقتطاع الأشياء وانتقاء الآراء يؤدي غالباً الى ظلم في الحكم العام. وقد اختارت الزميلة الكريمة أن تتبنى آراء وقناعات الأستاذ محمد حسنين هيكل حول مرحلة أستطيع القول، بكل تواضع، إنني تابعتها عن قرب كصحافي ناشئ. المرحلة التي يقول هيكل إن بريطانيا دعمت خلالها الملك فيصل بن عبد العزيز ضد شقيقه الملك سعود، من أجل محاربة الرئيس عبد الناصر.

هناك شهود أقرب وأدرى وأكثر انخراطا في أحداث تلك المرحلة وفي مقدورهم أن يقدموا الصورة الحقيقية والمفصلة لكل ما حدث. فلماذا لا تكلف الزميلة الكريمة نفسها، على سبيل المثال، الإصغاء الى شهادات الأمير طلال بن عبد العزيز، عما حدث، أولاً للملك سعود، وثانياً للملك فيصل، من القاهرة الناصرية في تلك الأيام؟ ولماذا لا تسأل الزميلة الأمومية الأمير طلال، كيف عومل أصدقاء مصر في القاهرة الناصرية.

إن التاريخ ليس ـ كالأمومة ـ صفحة واحدة. بل هو مجموعة حالات معقدة ووقائع غير قابلة لأكثر من تفسير. والإنسان حرُّ في أن يفاخر وأن يعتز بمن يشاء منتصراً أم مهزوماً. كل حرُّ في إرثه. لكن لا حرية في الظلم والافتراء والتمادي في ليّ الحقائق وتزوير التاريخ. هذه لا تعود أمومة، هذا تبنٍ لثقافة الثأر.