محاكمة الطغاة.. وزحف الرياضة على السياسة

TT

تبدو القارة الافريقية تتحرك بثقة وثبات نحو تحقيق وترسيخ الديمقراطية والحرية والعدالة. ها هي نيجيريا اكبر دولة فيها يعجز رئيسها اوباسانجو عن تعديل دستورها ليتولى رئاسة ثالثة بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، ويغادر السلطة عقب انتخابات عامة جرت منذ فترة وجيزة. لكنه ايضا قبل ان يغادر السلطة اجبرته الظروف والضغوط على تسليم صهره رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور الى محكمة الجزاء المختصة بجرائم سيراليون بعد ان كاد يهرب من نيجيريا ليفلت من العدالة التي اختصته بأن يكون اول رؤساء افريقيا الطغاة ليحاكم على ما ارتكب من جرائم ضد الانسانية.

وليبيريا كما يعلم القراء الكرام هي أول دولة افريقية أسستها الولايات المتحدة في غرب أفريقيا عام 1847 وأطلقت عليها اسم «الحرية» ووضعت لها دستورا مشابها للدستور الأمريكي، وهي خليط من سكانها الاصليين وما أعادتهم الولايات المتحدة من فائض العبيد.. الذين استرقتهم وقتها من مختلف مناطق افريقيا. وهي بهذا التكوين والتاريخ تعتبر اقدم دولة مستقلة على امتداد القارة في التاريخ الحديث. كما ان رئيسها السابق تايلور يعتبر اول رئيس افريقي يقدم لمحكمة دولية بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. وغالب التهم التي يواجهها تتعلق بدوره في تأجيج الحروب في سيراليون، حيث تعقد المحكمة الدولية المستقلة جلساتها، لكنه لأسباب أمنية، تم ترحيله الى هولندا وتجري محاكمته في مقر المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي طبقا لقانون المحكمة الخاصة بسيراليون، وهو خليط من القانون المحلي والدولي لحقوق الانسان. وفي النهاية سينقل الى السجون البريطانية وفقا لتعهد بريطانيا بحبسه هناك.

لقد أعدت المحكمة شبكة خاصة من الاتصالات تمكن مواطني غرب افريقيا من متابعة إجراءات المحاكمة في هولندا التي رفض الطاغية حضور اولى جلساتها بزعم انها محكمة غير عادلة، ولكن قطعا ظهوره على شبكات التلفاز وهو يرسف في قيوده ويحيط به الحراس لا بد ان يكون قد اثار اعجاب واستغراب الملايين من غرب افريقيا وهم يرون هذا المستبد يساق الى منصة العدالة للاقتصاص منه في ما ارتكب من جرائم في حقهم.

وليبيريا هذه بتاريخ نشأتها الفريد تبدو منفردة ايضا في سياق تاريخها الحديث. فقد اصبحت اول دولة افريقية يقدم رئيسها لمحكمة دولية بجرائم ضد الانسانية، مما يعني فتح الباب واسعا امام محاكمة مجموعة من الطغاة والفاسدين من الرؤساء السابقين والحاليين؛ وفي مقدمتهم رئيس تشاد السابق حسين هبري القابع الآن في السنغال ودكتاتور اثيوبيا السابق منغيستو هيلامريم. فالاول هناك مطالبات دولية بتسليمه ليحاكم دوليا، والثاني أعدت اثيوبيا لائحة اتهام كبيرة بجرائمه توطئة لمحاكمته، لكن من الافضل ان يجلب الاثنان الى المحكمة الدولية لا لتوفر محاكمات عادلة فحسب وانما ليشهد العالم ايضا الجرائم الفظيعة التي ارتكباها بحق شعوبهما ولتكون دروسا وعبراً لكل من تحدثه نفسه بأن يكون حاكما في افريقيا.

وبجانب محاكم القصاص الدولية تتطلع شعوب القارة ايضا الى استرداد كل ما نهبه الحكام الفاسدون من ثرواتها وأودعوه المصارف العالمية. ولذا، هناك ضرورة لاستصدار قانون دولي يرفع الغطاء عن حقوق السرية المصرفية عن هؤلاء الحكام وبطاناتهم لكي ترد كل الاموال المنهوبة الى الشعوب الفقيرة والمغلوبة على أمرها.

ونبقى مع تفرد ليبيريا فنقول: إنها اول دولة افريقية تتولى فيها سدة الرئاسة امرأة هي إلين جونسون الحائزة درجة الدكتوراه في الاقتصاد عبر انتخابات رئاسية كسبتها عن جدارة أواخر عام 2005 نافسها فيها جورج ويا لاعب الكرة الليبيري الملقب «الملك» والذي كان يعتبر اشهر لاعب كرة في اوروبا. وكما كان انتخابُها حدثا تاريخيا نادرا في القارة، كان ترشيح جورج ويا النجم الرياضي إيذانا بدخول نجوم الرياضة الى اوسع الساحات السياسية. وقد لا يبدو غريبا او بعيدا اذا شهد العالم خلال السنوات القليلة القادمة رؤساء دول من نجوم الرياضة او الاستعانة المكثفة من الساسة بالرياضيين لترجيح كفتهم في الانتخابات، علما بأن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يعتبر الاغنى ماليا وسط مختلف الاتحادات.

ولا ينبغي ان يغيب عن البال التداخل السافر الذي يحدث الآن بين السياسة والرياضة، فكثير من القادة السياسيين في اوروبا وامريكا لوحوا بتهديد مقاطعة الأولمبياد المقرر اقامتها في الصين، العام المقبل، ما لم تمارس الصين ضغوطا على الرئيس السوداني عمر حسن البشير كي يقبل بدخول القوات الدولية لحفظ السلام في دارفور بحسبان ان الصين تعتبر الدولة الاقرب والأقدر على التأثير على السودان. ولا شك ان مثل هذا التهديد يضع ضغطا كبيراً على كاهل الصين لأن للأولمبياد تأثيرات كبيرة في كل جوانب الحياة.