غزاة غزة

TT

ما يحدث في غزة اليوم هو فجور سياسي بمعنى الكلمة. فجور من الطرفين، حماس وفتح. يخرج الناس من منازلهم ويقتلون ويرمون في الشوارع، ويقذف بآخرين من أسطح المباني وهم أحياء. حماس تتحدث عن «خونة»، وأبو مازن يحذر من «انهيار».. أية خيانة وأي انهيار أشد مما نشاهد في غزة؟

فاق عدد القتلى من الطرفين الخمسين، ووصل القتال إلى داخل المستشفيات، وأبرز مثال القتال الذي دار في مستشفى بيت حانون. توقفت المنظمات الانسانية عن تقديم العون، بسبب خطورة الوضع، ووصفت ما يحدث هناك بـ«جرائم حرب».

تخيلوا أن من بين الفظائع التي ارتكبت في غزة مقتل محمد السويركي، 28 عاما، الذي كان يعمل طباخا لدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حيث ألقي السويركي من الطابق الخامس عشر من أحد المباني ويداه ورجلاه مقيدتان.

كيف حدث هذا؟ ولماذا يحدث ما يحدث؟ لقد قلنا، مرارا وتكرار، حماس ليست حكومة، ولن تكون. الحكومة التي تأتي بالانتخاب، لا تنقض القواعد الانتخابية التي أتت بها. حماس تيار ديني، تحكمه آيديولوجيا، ولا يخضع لما يجب أن يخضع له السياسي، وهو تغليب مصلحة الوطن والمواطن، لا الآيدولوجيا والارتباطات الخارجية. حماس لم تأت لتضيء الأمل، بل لتعلن الجهاد، ولكن ضد من؟ ضد فتح!

من يأتي بالانتخاب هو خادم بإذن الشعب للشعب، وليس سيدا عليهم، ولا ناطقا باسم الله. رئيس الوزراء المنتخب لا يتكلم بالناس في خطبة الجمعة، بل هناك مقار حكومية، وهناك آليات يخاطب بها المجتمع. ومن يخطب باسم الله لا يحنث بالعهود والوعود، ولا ينكث بأغلظ الايمان تحت ستار الكعبة المشرفة.

المحزن أن كلا الطرفين يرميان بعضهما بعضا بالخيانة والتآمر، وأية خيانة أعظم مما يحدث في غزة؟ ومهما اتخذ من وساطات لوقف القتال فان ذلك لن يوقف شلال الدماء، فهناك استهتار بالدم الفلسطيني، من قبل القيادات الفلسطينية نفسها.

على من يريد الحلول، التي ستكون مكلفة جدا، أن يتفادى إضاعة وقته بمحاولة التهدئة، فما يجب فعله هو الانطلاق مباشرة للحلول الكبرى. ما يحدث في فلسطين، والعراق، ولبنان الذي تواجه حكومته ما تواجه، منذ صيف العام الماضي وحتى حرب المخيمات، هو جزء من المشهد، أو الصورة التي نشاهدها في غزة. لا يمكن ان نفصل مشهدا عن آخر.

اليد التي تحرّك واحدة، والمموّل واحد، والحامي واحد، وان كان الضحايا مختلفين.

لا بد من حلول جذرية تبدأ من تجفيف منابع التمويل، والتسليح، وقطع يد التدخلات الخارجية المخربة. ولا بد ان تعي حماس ان عليها الاختيار بين التصرف كميليشيا، او حكومة تمارس مسؤولية تجاه الوطن والمواطن، وتمارس ضبط النفس، وتتجنب السلاح، ولغة التخوين، أو عليها اعتزال العمل السياسي، واتخاذ سياسة التكفير عن بعد، بدلا من سياسة التدمير من الداخل.

مشكلة عالمنا العربي، خصوصا في القضية الفلسطينية، أنه يتجنب تسمية الأشياء باسمائها، ولو تم التصدي لكل من يحول القضية الى قميص عثمان لما كان هذا حالنا، ولما ضاعت علينا كل هذه السنين والأموال والدماء. محزن اننا نقضي كل هذا الوقت، والجهد من أجل الحديث عن القتال الفلسطيني الفلسطيني، لا القتال الاسرائيلي الفلسطيني!

بقي ان نقول ان الحريق المنتشر في فلسطين والعراق ولبنان, اليوم,  رسالة واضحة.. ولا بد انها وصلت للمعنيين في عالمنا العربي!

[email protected]