حتى لا يظلوا حميراً!

TT

من التعليقات النابية لأحد القراء على ما جاء في مقال لكاتب كبير يسأله مستنكرا: ولماذا تكتب ما دمت هكذا لا تعرف ما تقول؟

يقول هذا لكاتب محترم جاد يكتب ويجد الملايين تقرأ له لأنه يقول ويشير ويثير. ولا بد أن الكاتب قد قال كلاما ليس على هوى القارئ أو صدمه في عزيز لديه. لا أعرف.. وقد عدت فقرأت ما كتبه الكاتب الكبير، وأعجبني ما قال. وليس من الضروري أن أكون متفقا معه. ولكن الذي قال يستحق الاحترام، ثم إنها وجهة نظر. ولم يذهب الغرور بالكاتب فيقول إن هذا هو رأيه وحده، ولا رأي لأحد قبله أو بعده. وإذا كان من حق القارئ أن يسأل كاتبا فيقول له: لماذا تكتب؟ فمن الممكن أن يسأل الكاتب: ولماذا تقرأ؟ أو إذا كان هذا الكاتب يضايقك أو قد ضايقك أخيرا، فما حرصك على قراءة ما يضايقك، اتركه! استبعده.. احذفه من قائمة مشترياتك. وبس!

ولكن القارئ يريد أن يعرف أثر كلمته الموجعة، وهل أدت إلى توقف الكاتب عن الكتابة. وفي ذلك انتصار للقارئ على الكاتب وأنه ماض في كتابته يقول ما لا يعجب واحدا من القراء!

أستاذنا طه حسين قال، وكأنه يرد على هذا القارئ بالذات: أهدي كتابي هذا إلى الذين لا يعملون ويضايقهم أن يعمل الناس! أي إلى الذين لا يكتبون ويضايقهم أن يكتب الناس..

وأتذكر في «صالون العقاد» أن سأله أحد الحاضرين: «ما شعورك يا أستاذ إذا عرفت أن الحاضرين جميعاً لا يقرأون لك؟»، فتضايق العقاد ولكنه قال: لا يدهشني هذا يا مولانا، في زمن الجهل يتباهى القارئ بأنه لا يقرأ والعالم بأنه لا يضيء للناس.

وكأن العقاد أحس بأن الذي قاله ليس مفهوماً. فقال: إن المفكر الإنجليزي كارليل التقى بأحد المعلمين، ولم يكن المعلم يعرف المفكر الكبير. ولكنه سمعه يشكو من الأرق والإمساك، وأنه لا ينام الليل من أجل التحقق من كلمة. فاندهش الرجل وقال له: سيادتك تعمل ماذا؟ فأجابه كارليل: أقوم بتربية الحمير.. فقال الرجل إذا كنت تعلم الحمير فلماذا تشغل نفسك بالكتابة عنهم أو التحقق من أية معلومة عنهم. وكان رد كارليل: إنني لا أتعب من أجل الحمير، وإنما اتعب من أجل سبب آخر وهو أنني لا أحب أن يظلوا حميرا!