أيام رمضانية فاتت

TT

اعتادت وزارة المعارف العراقية في العهد الملكي، ان تدعو الطلبة لقضاء شهر في كردستان صيفا. كانت الفكرة الترويح عنهم بعد تسعة اشهر من التعب والدرس، وبعين الوقت كوسيلة يتعرفون خلالها على الأجزاء الاخرى من الوطن، ولا سيما التعرف على اخواننا الأكراد. كانت هذه هي الفكرة. اما فكرتنا نحن فكانت مختلفة تماما. كنا نقول ان الحكومة تريد استبعادنا من العاصمة لينفذوا خلال غيابنا المخططات الامبريالية للمشاركة في الغزو العدواني على صديقنا الاتحاد السوفيتي. طبعا، هذا كله على اساس ان امريكا كانت في حاجة الى الاربع فرق العراقية لدحر السوفييت.

بيد ان تفكيرنا هذا لم يمنعنا من الاسراع في تسجيل اسمائنا للسفرة. كان المحل المقرر لها في مصيف سرسنك. وصلنا الى المصيف ووجدنا مخيما كاملا قد اقيم لنا. فوجئنا بهذه الكفاءة النادرة. فتهامسنا: «هذي شغلة انجليز! عرفناها! الانجليز نصبوا هذا المخيم!»، وعلى مقربة منه كان القصر الملكي المتواضع.

تزامنت السفرة مع شهر رمضان. بادرنا لإصدار فتوى لأنفسنا بأننا على سفر ولا نحتاج للصيام. ولكننا طالبنا الادارة باحترام شعائر رمضان. اذا كنا لم نصم، فعلى الاقل يجب ان نفطر كمسلمين، ونفطر بكل ما يتضمنه الافطار الرمضاني من بقلاوة وكنافة وزلابية واكلات شهية. هددنا الادارة بأنهم اذا لم يلبوا طلباتنا فسنعلن الاضراب. قلنا ذلك من دون ان يخطر في بالنا، ما الذي يمكننا ان نضرب عنه؟

ولكنهم لبوا مطاليبنا دفعا للمشاكل، فجلسنا كل مساء نأكل هذه الخيرات وننتهي بالبقلاوة والكنافة ونشرب اللبن الكردي المدخن ونتجشأ ونتهيأ للمشاركة في لعبة رمضان التقليدية المعروفة في العراق بالمحيبس.

جاءنا المدير المسؤول وقال: يا أولاد, الأمير عبد الاله، ولي العهد، وصل البارحة واليوم يريد ان يفطر ويتعشى معكم ثم ينضم لكم ويشارككم في لعبة المحيبس. انت يا ولد يا عبود، هذب كلامك ابني، لا تفشر وتكفر كلما تخسر. وانت يا ولد يا حسين لا تزاغل باللعب. وانت فاضل اسمع هنا، لا تبقى تلعب وتنقبر بخشمك. هذي عادة ما تليق بحضور الملوك والامراء. لا تخلون صاحب السمو يأخذ فكرة ان طلاب المدارس في العراق شلة رعاع ويزاغلون حتى مع سيد البلاد. تسمعون؟

ـ نعم استاذ ولا تخاف. نحطه على راسنا.

تقوم لعبة المحيبس على اخفاء محبس تحت بطانية واسعة. فخطرت لي خاطرة: «بس استاذ اعطينا بطانية جديدة. هذي البطانية مليانة براغيث. اكلت إيدينا واخاف تأكل يد سمو الأمير ايضا وتخليه يهرش الليل كله».

جاؤونا ببطانية جديدة نظيفة، استبدلت بها بطانيتي القديمة المهترئة. طالما قيل ان المبتدئ باللعب دائما يكسب. وهذا ما تعلمته من الأمير عبد الإله. فحيثما اخفينا المحبس كان يحزر مكانه ويكتشف اليد التي مسكت به واخفته تحت البطانية المفروشة فوق أيدينا. استمر دأبنا على ذلك لعدة ايام. وكلما فاز ولي العهد بالجولة انصرفنا الى خيامنا ندمدم ونقول: يابا الأمير كان يزاغل ويغش هاليوم!